Tuesday, February 6, 2018

المقاومة اللاعنفية والحركات الاجتماعية في السياق السوداني الحالي - ١ من ٣


حتعامل في هذا المقال بجميع اجزاءه بناء على فرضية انو الحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية) في السودان تتبنى فكر المُقاومة اللاعنفية.

تعريف الحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية)
في تعريفات كتيرة للحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية) بعض علماء الاجتماع زي روبرت قولدبيرغ بيعرف الحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية) بأنها "مجموعة منظمة الناس تتصرف بوعي وبشكل مُستمر لاحداث تغيير ما او لتحسين وضع ما من خلال فعل جماعي."[1] بيل موير يُعرف الحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية) في كتابه ممارسة الديموقراطية "بأنها فعل جماعي يحفز الجموع ويُثقفها ويحشدها، على مدى سنوات او عقود احيانا، لتتحدى أصحاب السلطة والمجتمع بأسره بهدف مُعالجة القضايا الاجتماعية أو المظالم واستعادة القيم الاجتماعية المهمة."[2]

أصل فكرة المقاومة اللاعنفية في التاريخ الحديث ديني واتطورت الفسلفة دي خلال القرن الماضي وانقسمت لنوعين رئيسين:


المقاومة اللاعنفية الاخلاقية (المبدئية)
وهي ومدرسة تعتمد فلسفتها على ان يكون اللاعنف مبدأ ثابت في حياتك الخاصة والعامة وينعكس في تعاطيك مع خصومك، العالم من حولك، وشركائك في الانسانية وكيف تتعايش معهم. يعني اقرب للتصوف بمعناه الكبير ما المقتصر على الاسلام ومُهتم بتشذيب النفس من الحاق الضرر بأي شيء أو أي شخص. فمارتن لوثر كينج يرى بأن المقاومة المدنية هي "مواجهة شجاعة للشر بالمحبة."[3]  المؤمنين بالطريقة دي مقتنعين تماما بحقهم البيطالبوا بيه بس ما بيبرروا لانفسهم الحاق الضرر بالخصم مهما تعرضوا للعسف او الظلم او حتى القتل. اللاعنف في نفسو مبرر كافي، يعني اللاعنف ما وسيلة بل غاية وطريقة حياة. 

أي نعم المدرسة دي فيها نوع من المثالية والتشبه بأخلاق النبوة، إلا انها بتكسب شعبية وبتترك أثر لأنها بتخلق في النفوس صورة مُتمناه للأنا العليا وبتلاقي مؤيدين ليها حتى لو ما ما قدروا يوصلوا روحياً للمرحلة المتقدمة، غاندي مثالاً. أنا شخصيا بافتكر انو المهاتما غاندي كان برقماتي لحد ما - وده ما أمر سيء بالمُناسبة.

المقاومة اللاعنفية الاخلاقية بتقول انها ما بتوقع أذى على الخصم، بس فكرة الأذى دي نسبية وبيحددها الخصم ما انت، مثلا لما تجبرني كمُستعمر مستفيد من خيرات بلدك مجانا من اني ارضخ ليك وتخسرني قروش وسُلطة انت اذيتني، بغض النظر عن منو البدا الأذى هنا، انا اتأذيت. يعني انا افتكر استبعاد فكرة الاذى من مواجهة الخصم فيها مثالية غير واقعية، مافي خصم بيستسلم ليك كان ما لويت يدو (بالعربي اذيتو وآلمتو للحد البيخليهو يقدم تنازل يقلل من حدة الألم). والمدرسة الغاندية (نسبة لمهاتما غاندي) ليها نُقاد بيروا المدرسة دي في النظم الديموقراطية بتسقط دور القانون في ضبط الاوضاع وبالتالي بتقود للفوضى. صحة النقد ده محتاج نقاش مفصل في وقت تاني لانو محتاجين نفكك طرق الحفاظ على الديموقراطية ودور المجتمع المدني وقصور المؤسسات ووهن مفاصلها في الديموقراطيات لدرجة انها بتدخلك بحمد وتمرقك بخوجلي زي ما حاصل حاليا في أمريكا مع (بابا ترمب). الشاهد، المقاومة اللاعنفية الأخلاقية بتكون صبورة وعندها تؤدة وبتخش في صراع مع الخصم بهدف كبير بعيد المدى هو تغير الواقع المرفوض من خلال تغيير السبب الجوهري. الخلاصة انو فلسفة اللاعنف مُبتغى وهدف واسلوب حياة.

المقاومة اللاعنفية التكتيكية (او الاستراتيجية أو البرقماتية)
طيب، خلصنا من ناس اللاعنف المبدئي والاخلاقي نجي على ما يلينا من المقاومة اللاعنفية في سياق التحليل السياسي والمقاومة المدنية. المقاومة دي بتتعامل مع اللاعنف كتكتيك ما طريقة حياة، يعني استخدام اللاعنف هو خيار استراتيجي وبرقامتي. جين شارب بروفيسور العلوم الاجتماعية والاب الروحي لعلم المقاومة اللاعنفية التكتيكي (مات الاسبوع الفات بالمناسبة) بيؤيد النوع التاني البرقماتي وبيرى انو النوع الثاني اقرب للواقعية وانو المقاومة اللاعنفية في سياق سياسي الاجدى انها تكون وسيلة لا غاية في حد ذاتها. النوع ده الكنته فيه هي التفكير الاستراتيجي بمعنى انك تفكر بشكل مُستمر في كيف تحارب بدون سلاح وفي نفس الوقت تكسب نقطة في كل معركة ضد الخصم وتتأكد من انك الحقت أذى - ولا تنكروا ولا تتبرأ منو - بالخصم علشان تجبروا يستمع ليك ويحقق مطالبك. الفكرة الاساسية انو استخدامك للاعنف بيخت خصمك في خانة اليك وبيكسبك تضامن شعبي لما تتعرض للقمع وبالتالي بيوسع دائرة حلفائك وكمان بيقلل خسائرك (المقاومة اللاعنفية بشكل عام خسائرها أقل ونسب نجاحا أعلى من المقاومة المُسلحة) بس لانو محتاجة نفس طويل، لازم تكون عندك استراتيجيات لكل مرحلة.
Source: New York Times

المقاومة اللاعنفية ليست مُرادف للسلبية وتصعير الخد الآخر
هناك قول مغلوط مفاده أن المقاومة اللاعنفية، والأخلاقية تحديداً هي طريقة سلبية أو ضعيفة كونها لا تُمارس العنف ولا ترد عليه بعنف مقابل. طبعا القول ده قول عار من الصحة لأن المقاومة اللاعنفية (اخلاقية كانت أو برقماتية) في الحقيقة بتواجه الخصم وبتحول الصراع من كامن latent إلى ظاهر وبتحدد ساحة المعركة (المطالب) وما بتكون سلبية تجاه الخصم. المقاومة اللاعنفية بتجبر الخصم يعترف بالمشكلة وبيهم. ردود افعال المقاومة اللاعنفية بتكون ما حادة وبتعرف تصعد متين وكيف، وغالبا ما تستخدم قمع الخصم لمصلحتها (لكسب التعاطف، سحب الثقة من الخصم، كشف الخصم الخ) وبالتالي تعاملها مع القمع ما بس من باب رد الفعل بل من باب توظيف القمع نفسه لخدمة القضية وعلشان كدا بتكون محتاجة ضبط للنفس ورباطة جأش (جأش ايوة جأش)
Banksy's


الفرق بين اللاعنف الاخلاقي واللاعنف الاستراتيجي
النوعين من المُقاومة اللاعنفية مختلفين في فلسفتهم في التفاصيل والسلوك الفردي في الخاص والعام والاهداف بعيدة المدى (الاخلاقية بتستهدف السبب الجوهري وانهاء جميع انواع العنف - البرقماتية هدفها انهاء عنف محدد بعينة ومبتشوف البينفع شنو في المعركة المحددة دي) فكرة التسامح مثلا عند المدرسة الاخلاقية جزء اصيل من الصراع ووسيلة لاستمالة الخصم وتغيير السبب الجوهري بينما النوع البرقماتي بيتعامل مع التسامح والتصالح كتكتيك لكسب المعركة (ما معناها بيغشوا الخصم بس ما بيسامحوا لانهم طيبين ويلا الناس تحب) النقطة الاساسية البتجمعهم هي انو التعامل مع القمع يكون سلمي، ليه بقى دي كلام كتير زي ما وضحنا فوق .(الجدول ده بيبين الفروق بين النوعين بالتفصيل على مستوى الاهداف والوسائل والشخصي والعام.)

المقاومة للاعنفية وفض النزاعات وصناعة السلام: تكامل ما تشابه
النقطة الأخيرة والمهمة جدا انو في فرق كبير بين المقاومة اللاعنفية وصناعة السلام او فض النزاعات، المدارس دي مختلفة تماما من ناحية التعاطي مع الصراع. المقاومة اللاعنفية بتخلق صراع لاعنفي وفض النزعات بيجي داخل الصراع الكامن او المنفجر بمبدأ باركوها يا جماعة. اللاعنف بيجي من تحت لفوق بمعنى انو مُلتحم بالجماهير اكتر وبيمثلهم اكتر وفض النزاعات بيجي من فوق لتحت يعني عبر القوانين والاجراءات واذرع الدولة. الاتنين (المقاومة اللاعنفية) و(فض النزاعات و\أوصناعة السلام) بيتقاطعوا وممكن يكلموا بعض بس ما كلهم واحد سيم سيم صديق لا في الاساليب ولا الجمهور ولا الجهات الفاعلة ولا مدى التغيير.

اسئلة وجودية
هل كل مقاومة لا عنفية هي بالضرورة مبنية على الاخلاق؟ ولا اي مقاومة عنفية بالضرورة فيها جزء تكتيكي؟ وايهما افضل لسلام مُستدام؟ لاعنف تكتيكي ام لاعنف مبدئي؟

يُتبع

هوامش

[1] Robert Alan Goldberg, Grassroots Resistance: Social Movements in Twentieth CenturyAmerica. (Belmont CA: Wadsworth, 1991), p. 4.
[2] Moyer, Bill. Doing Democracy: The MAP Model for Organizing Social Movements. (Gabriola Island, B.C.: New Society Publishers, 2001), p. 1).
[3] King, Martin Luther, Jr., Stride Toward Freedom; the Montgomery Story. (New York: Harper & Row, 1958. Print.), p. 80.


No comments:

Post a Comment