Sunday, August 25, 2019

كيف تحمي الثورة باستخدام مواد طبيعية؟

مسؤولية حماية الثورة ملقاة على عاتقك أنت وحدك، لا أحد غيرك

(١) حافظ على قوتك وحدد أولوياتك: 
الثورة قامت لما الفرد أدرك القوة العنده وهي القبول/الموافقة consent والي لما يسحبها، ستفقد السلطة شرعيتها لأن السلطة تستمد قوتها من خضوعك انت ليها. ولما زاد عدد الناس العرفت القوة الكامنة جواها تكاتفت قوى كل المشاركين في الثورة وقامت بسحب الثقة من السلطة مما أدى لسقوط النظام - أو جزء منه لنكون أكثر دقة. القوة الكامنة دي ما مفروض تخمد أو تترهل في أي مرحلة من مراحل الفترة الانتقالية أو المستقبل لأن قبولك/موافقتك/consent هي وقود أي سُلطة. ما مفروض تديها لأي جهة ما لم تكون متفقة مع أولوياتك ومبادئك. في المرحلة الحالية -بسقوط النظام الظاهري - في أولويات جديدة لأن الواقع جديد بس لازم تحددها انت كفرد وما تتبنى أولويات الآخرين. لا تذوب في الانتماءات. وتذكر قول الصادق الرضي: 

أعرف أننى سأظل ضد السلطة اللاوعى 
نحن الآن في عمق القضية
مركز النار 
وبالهامش تبقى 
سلطة اللغة الخفية كي تعلق بالفراغ.


(٢) حاسب السُلطة ولا تذوب فيها: 
أي مجموعة، مهما سمت أخلاق عناصرها، قابلة للتحول إلى سُلطة ديكتاتورية لو توفرت لها نفوذ مطلق ولم يصوبها المجتمع وشارك في رسم ملامح نفوذها ومساحته. 
في مفهوم اسمه معضلة القوة أو (paradox of power) وبشرح مُبسط جداً، مفاده أن النفوذ والسُلطة تؤثر في صفات ومبادئ القادة. أقرب مثال من واقعنا السوداني ما حدث بخصوص حكومة التكنوقراط. عندما كانت الأحزاب خارج محيط السُلطة والنفوذ، كان عندها تصور معين لشكل السُلطة اتسم بالتشاركية والبعد عن المصلحة الحزبية. وكلن مع اقتراب قوى الحرية والتغيير من مقاليد السُلطة خلال فترة المفاوضات والآن بعد توقيع المذكرة الدستورية، تغيّرت مفاهيمها وابتعدت عن فكرة الحياد السياسي في المرشحين. وأصبحت ترشح بناء على الانتماء الحزبي المباشر أو غير المباشر، وأمامنا أمثلة كثيرة في التعيينات الحالية في المجلس السيادي، ومن المتوقع أن تزداد حدة في الحقائب الوزارية - وهو نمط ضد موقفهم المبدئي السابق. 
وهناك نمط آخر، وهو أن القيادات تبتعد عن التفاصيل وترى الصورة (الأكبر) من منظور يعزز نفوذها، وعادة ما يكون على تضاد مع مصالح القواعد وعلى حساب قيم العدالة. وغالباً ما يصعب تحقيق توازن بين السلطة والعدالة. فمثلا في الواقع السوداني الحالي لم تُولي المحاسبة حقها، أو حتى العدالة الانتقالية في شغل المناصب - لو استثنينا السيدة رجاء نيقولا عبد المسيح كونها امرأة ومن أقلية دينية. 
وبناء على ذلك، دورك كمواطن هو عمل آلية محاسبة تحفظ لك تحقق أكبر قدر ممكن من المطالب كي لا تسقط بين الشقوق. لا تفترض أن القيادة التي أمامك هي نفس القيادة السابقة أيام الثورة، هو تحول طبيعي الجميع مُعرضون له. محاكمة القيادات السياسية ليست الهدف الآن ولا الموضوع، الأهم أن تضغط على صناع القرار باستمرار ليعودوا لخط المطالب العادلة. توقع منهم الصد والتباطؤ، ودورك أن تكون ملحاح.
بالإضافة لكل ما سبق، مهم تحديد الأولويات الخاصة بيك كـ مجموعة أو فئة، وتحمل مسؤولية المتابعة وعدم الركون لشعارات الثورة. مثال آخر من السياق السوداني، لو راجعنا لميثاق الحرية والتغيير سنجد أن ما تحقق قد يكون نصف بند فقط، وما زالت المطالب الأخرى قيد الغيب وقد تتحقق وقد لا ترى النور لو ترك الأمر للقيادات الحالية. 
نرجع نقول تذكروا مقولة وليد عبد الرحمن: يا جنابو انت ارمي بمبانك، واحنا بنترس. 

عزاز شامي


Tuesday, July 23, 2019

العدالة والمحاسبة لا تتحقق من خلال التحقيقات فقط | السودان - ثورة سبتمبر ٢٠١٩

حزنت جداً لمسح وتشويه جدارية للشهيد عبد العظيم أبو بكر والذي استشهد في موكب ٢٤ يناير في الشارع المسمى باسمه منذ استشهاده (ويعرف بشارع الاربعين) . كانت جداريته الممسوحة تحمل صورته وعبارة (انتصرنا يا صديقي) في رد على اقتباس له من بروفايله في الفيسبوك "تعبنا يا صديقي . ولكن لا أحد يستطيع الاستلقاء أثناء المعركة" فصارت تلازم سيرته العطرة كلما جاء ذكره او تعب أحدنا من مشقة الطريق. فعل تشويه جداريته وابتسامته الودودة كان بمثابة حشو والملح في جرح لم يبرأ بعد. ولكن لفت نظري ما كتبه أحدهم على الصورة الممسوحة بلون أخضر شديد العزم (دم الشهيد ما راح) وهي حقيقة لأن حق الشهيد لن يُمحى بمجرد مسح جداريته بل يظل يروي ويحكي ألا أن تتحقق العدالة التي تليق بتضحياتهم.  

الصورة بعد التشويه | (دم الشهيد ما راح) دلالة على أن مسح الجدارية لا يعني أن حق عبدالعظيم قد أهدر.

يُعد توثيق قصص الناجين والشهداء جزءً اصيلاً من عملية تحقيق العدالة بمفهومها الكبير حيث يتيح للضحايا وأسرهم فرصة التعبير عن تجربتهم والاعتراف بها. وتوثيق ما حدث لا يعني الضحايا والناجين وأسرهم فقط، بل هو جزء من علاج المجتمع المكلوم للتعافي من التروما وتُشركه ككل في عملية تحقيق العدالة. هناك الكثير من الآليات غير القضائية لتحقيق العدالة وخلق التضامن والتوثيق ومنها (الرسومات، المناصب التذكارية، تسمية الشوارع بأسماء الشهداء)، والغناء، وافساح مجال للناجين وأسر الضحايا والشهداء لرواية تجاربهم من خلال اللقاءات التلفزيونية أو المحافل العامة. ولو لاحظنا اغلبها تم عمله بشكل تلقائي في السودان من قبل المجتمع بدون أي تأطير للعمل ده، ولكن مهم ان نخطو به بخطوة أبعد بتضمينه في مشاريعنا الثورية والعمل العام ورسم استراتيجية له على المدى القريب والبعيد.

 العدالة والمحاسبة او العدالة الانتقالية لا تتحقق كلية من خلال التحقيقات والأحكام القضائية لأنه من المتوقع جداً افلات الكثيرين من الحساب وتقديم اكباش فداء لمجرد امتصاص الغضب كما حدث مع شهداء سبتمبر مثلاً. تأجيل العدالة تظل حقوق الشهداء والمتضررين عالقة في الذاكرة الجمعية مرسخة لشعورٍ بالقهر والظلم لا يمكن تجاوزه، مما يعيق قدرتنا على التفكير بوضوح في المستقبل، أو تجاوز المرارات طالما ظل هذا الجرح ينزف. الآليات غير القضائية للعدالة في أغلب الأحيان تكون مكملة، وبل أهم في أحايين كثيرة من الإجراءات القضائية التي غالباً لا تحقق روح العدالة الحقيقية المشتهاة. 

الآليات غير القضائية كرواية قصص الناجين والشهداء وأسرهم بشكل مستمر ومنهجي تحقق ما هو أبعد من مجرد اجترار الأحزان، لأنها تخلق وعياً جديداً حول المواطنة والانتماء وتجسّر الهوة بيننا من خلال تجربة الفقد والحزن. الحزن هو لغة التواصل هنا، لغة تجمعنا بشكل سحري لنشعر بمدى تطابق تجاربنا وتشابكها ببعضها البعض. ومن المهم تحويل هذا الحزن من شعور محبط سلبي و طاقة تستهلكنا إلى طاقة تقربنا خطوة من العدالة من خلال الاعتراف بالتجارب العصيبة والفقد، لتوحدنا وتقربنا من بعض وتجعلنا أكثر قدرة على مواجهة ومعالجة الظرف الخلق الظلم من الأساس. من الضروري أن تكون رواية قصص الشهداء والناجين والمفقودين في قلب الفعل الثوري؛ لا من باب اجترار المآسي بل من باب فرض هذه الروايات جزء مُلح من واقعنا المُعاش للتأكيد على حق الضحايا في الحصول على إجابات بخصوص هذه الانتهاكات من المجرم (المجلس العسكري) والحكومة الانتقالية المستقبلية اياً كانت مكوناتها. وبما أنه من المتوقع ان تكون الاجراءات القانونية شكلية وطويلة المدى، فيمكننا التعامل مع هذه الآليات غير القضائية كـ الإفادات العامة كتوثيق غير رسمي للجرائم لترسخ في الوعي الجمعي بحيث لا يمكن للجناة الهروب من الجريمة في الحيز العام حتى وإن نفذوا من العقاب القانوني إلا أن ييسّر الله لنا امراً ويحاكم الجناة او يقدمون للمحاكم حقيقة ومصالحة حقيقية يعتذرون فيها عن جرائمهم. 

خصصت الأمم المتحدة يوم ٢٤ مارس من كل عام يوماً دولياً للحق في معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واحترام كرامة الضحايا. لا نحتاج أن ننتظر لشهر مارس القادم لنبدأ في انتزاع هذا الحق، وهنا بعض الأفكار الممكن تبنيها:

(١)تتبع أمر مسح جداريات اعتصام القيادة وجداريات الشهداء في الأحياء بشكل قانوني ومحاسبة من قام بمسحها.

(٢)رسم المزيد من الجداريات في جميع المدن بشكل يصعب تعقبها جميعها أو مسحها كلها، وبالطبع دعم فناني الجداريات.

(٣)تكثيف الأعمال الفنية البصرية والصوتية في الحيز الإلكتروني حيث لا يمكن مسحها متى ما انتشرت.

(٤)توثيق الأعمال الفنية بأنواعها في معارض اونلاين او مكانية في السودان والخارج.

(٥)تكثيف المنصات التي تحكي قصص الاعتداء وانتهاك الحقوق، مثلا بدل حديث ممثلي قحت والتجمع عن عملية سياسية غير واضحة الملامح من الافضل إفساح المجال لأسر الضحايا والناجين لرواية قصصهم مع الأخذ في الاعتبار أي مخاطر مترتبة على هذه المشاركة والاستعداد لها مقدماً.

(٦)الاطلاع على التجارب السابقة في مجال توثيق الانتهاكات مثل جنوب أفريقيا، المغرب، بيرو، او تونس في التاريخ القريب وخلق تصور يناسب مجتمعنا وخصوصية الانتهاكات.

 **عزاز شامي، ٢٣ يوليو ٢٠١٩


Friday, February 9, 2018

المقاومة اللاعنفية والحركات الاجتماعية في السياق السوداني الحالي (الاستراتيجيات) ٢-٣


تناولنا في التدونية السابقة بشكل سريع انوع المقاومة اللاعنفية والفريق بينها وبين صناعة السلام وفض النزاعات. فيما يلي الكلام حيكون عن استراتيجيات المقاومة اللاعنفية ونقد للحراك الحالي من ناحية بعده او قربه من الاستراتيجيات الفعالة. 

في العام ١٩٦١م صرح روبرت كندي، النائب العام للولايات المتحدة حينها، لردايو صوت امريكا بأنه لا يستبعد في المُستقبل القريب أن يترأس زنجي الولايات المُتحدة. وصدقت نبؤته بعد ٤٧ عاماً في نوفمبر ٢٠٠٨م حيث انتخب باراك اوباما كأول رئيس أمريكي من أصول افريقية. بين النبؤة وتحققها ٤٧ عاماً من العمل المُتواصل والدؤوب لكسر الحواجز والقيود التي فرضت على السود الأمريكين، وهي جهود لا تزال متواصله حتى الآن. ما علاقة روبرت كنيدي او حركة الحقوق المدنية في أمريكا بالسودان؟ الكثير يا عزيزي، الكثير. مربط الفرس هنا الفعل التراكمي وعدم القفز على المراحل لمجرد كونا مقتنعين بوجاهة مطالبنا. 


لم تبدأ الحركة المدنية في أمريكا بالمُظاهرات أو بالتجمعات الحاشدة، بل بدأت من المحاكم والمواجهات داخل اروقتها بدءً من قضية بروان ضد مجلس التعليم والتي حكمت فيها المحكمة العليا في ١٩٥٢م لصالح بروان وبعدم دستورية قانون الفصل العنصري في المدارس. وبعدها كرَت السبحة من الاستراتيجيات مُتعددة المراحل والمستويات لم تكن المُظاهرات اولها، بل تكتيكات العصيان الفردية في جميع الولايات بدون استثناء كروزا بارك في عام ١٩٥٥ عندما رفضت الجلوس في الجزء المُخصص للملونين وتبعه تنظيم مقاطعة لحافلات مدينة مونتغمري في ولاية الاباما ومن بعدها تنظيم عصيان مُصغر في جرينز بورو في كارولينا الجنوبية قام فيه اربعة من الأمركيان السود بالجلوس في مطعم مُخصص للبيض. الشاهد، أن المظاهرات الحاشدة لم تكن هي التكتيك الأول او الوحيد للحركة المدنية ولم تدخل التكتيكات ذات العدد الكبير إلا في بداية الستينات بعد حشد الاعلام والرأي العام بشكل يكفي لدعم اي مطالبات من قبل السود، وحتى وقتها بدأت بالتصاعد في العدد تدريجيا حتى وصلت القمة في مسيرة واشنطون الحاشدة في ١٩٦٣م. إلا ان هذه المسيرات لم تخرج اعتباطا او لظنها بوَاجهة مطالباها، بل تحيّنت الفرص المُناسبة والحلفاء المُناسبين في مواقع القرار، وثمار الفعل التراكمي لما سبق من تكتيكات المقاومة اللاعنفية. 

الشعب يريد اسقاط النظام ... 
ولكن كيف سيُسقط الشعب النظام؟

لو نظرنا للحراك الحالي في السودان مثلا وخصوصا التكتيكات المُتمثلة في المظاهرات والمسيرات الشعبية نجد ان جُلها تنتهي بدون احداث اثر يُذكر على صعيد تغيير القوانين او تحقيق المطالب، والمطالب هنا دائما ما تكون "اسقاط النظام". لا اختلف مع احد في المطلب ولكن اختلف في طريقة تحقيق المطلب ومفردة اسقاط - وهو امر يمكننا مناقشته في وقت آخر. 


تستمد المقاومة الحالية في السودان ادبياتها من بيت القصيدة القائل: 

إذا الشعب يوما أراد الحياة     فلابد أن يستجيب القدر

وبرغم جمال التعبير إلا أنه لا يُفسر بشكل عميق، لأن الرغبة هنا لا تعني مجرد التمني بل تعني ضمناً ان يبذل الشعب ما يلزم ليبلغ ما يريد. وقياسا على ذلك، فإن المطالبة باسقاط النظام - برغم وجاهة الاسباب - لا تكفي لاسقاط النظام فعلا. اولا نحن بحاجة إلى فهم اسباب استمرار النظام لانهاء اسباب وجوده، لأن اسقاطه فقط لا يعني انه لن يعود مجددا للحكم بمسميات أخرى. 

إن كان هدفك ازالة النظام، فالخطوات نحو الهدف تشمل الحشد، تكسير اعمدة النظام، كسب جولات في جميع الساحات ومن بينها القانون الخ .. الهدف لا يتحقق بمجرد رغبتنا في تحقيقه، لابد من خلق مجموعة من التكتيكات المحسوبة بدقة. التظاهرات العشوائية والتعبئة الشعبية بدون تخطيط تصب في مصلحة النظام لان القمع الذي يُمارسه على المُتظاهرين يرفع كلفة المُشاركة في التظاهرات. 

الحراك الحالي في السودان وما سبقه يبدأ من النهاية، ويطالب باسقاط نظام في صراع على القوة صفري مع خصم لا يتواني في استخدام القوة والعسف والقمع لاخراس اي صوت معارض. 

تبدو هذه المطالب بأنها لا تعي ديناميكة القوى في الاطار الحالي، فالنظام ليس قوياً لانه خُلق قوي، بل يستمد قوته بشكل مستمر ومُتواصل من القبول والاذعان من قبل الشعب، ويحافظ على وقوده بالعقوبة والردع والمُكافأة والضغط والترويع والابتزاز وشراء الضمائر. النظام يدرك تماما سر قوته ويعرف كيف يحافظ عليها، بينما تجهلها معارضته، او تتجاهلها. 

التعامل مع النظام ككتلة واحدة والظن أن بزوالها يزول الظلم قراءة خاطئة للأمر وللنفس البشرية بشكل عام، اي مجموعة من البشر تفرض سُلطتها على مجموعة أخرى من خلال الايحاء بأن الطاعة امر مفروغ منه، بينما في الحقيقة الطاعة هي بنزين السُلطة . وسحب دعمك لها يضعفها، بالتالي زوالها مُرتبط بزوال اسباب بقاءها واهمها التعاون والرضى منك ومني ومنهم. نحن دون ان نشعر نعطي النظام طاقته للتحكم فينا وفرض سُلطته علينا. يكفي ان نمتنع انا وانت وهو وعشرة آخرين عن طاعة النظام، ونحتاج ان نستقطب من هم داخل النظام ايضا كي يعصوه ويتفكك البيت من الداخل. 

إن الحقيقية التي يتجاهلها اغلب المعارضين ان الكثيرين ممن هم داخل النظام ليسوا بالضرورة مُستفيدين من النظام إلا بالشعور بالأمان في ظل الكره المُتزايد ضده أي (النظام) وانعدام الفرص امامهم للقفز من السفينة. فخطاب المعارضة الاقصائي لمن هم داخل النظام هو في الحقيقة يعطل ويؤخر اي محاولات لاسقاط النظام، لان اقصاءك لمن هم داخل النظام من اللحاق بركبك يجعلهم خائفين من زوال النظام - وهو هدفك - بالتالي سينصاعوا اكتر للنظام ويكثفوا من قوته لان في بقاءه امانهم وسيؤذوك نيابة عن النظام. 

ان الخطاب الاستراتيجي المفقود في دعوات المعارضة للنظام هي دعوة من هم بداخل النظام وتقليل مخاوف المأمورين وفسح المجال لهم لينضموا لصفوفك، وإن فعلت ذلك ستسلب النظام مفاصله التي يتحرك بها. فالنظام في الحقيقة هو عدد لا متناهي من المأمورين والمُنتفعين والعاملين في ارفع الرتب وادناها لا فرق في فذلك فما يجمعهم هو المُتابعة اللصيقة لك ولغيرك للتأكد من اتباعك لما يفرضه عليك النظام. كلما قللت من الاعين التي تراقبك وزدت من الايدي الي تسندك كلما زاد رصيك وقل رصيد خصمك. 

وأخيرا، أرجو تأمل الصورة ادناه جيدا .. دور الحراك الاسترتيجي هو سحب كل شخص يقف على طرف الخشبة التي تحمي النظام من السقوط للهاوية.


المُظاهرات وحدها لا تكفي 

اي قراءة سريعة لتاريخ الثورات السلمية او الحركات المطلبية السلمية سنجد ان المُظاهرات تكون آخر المراحل التي يُعبّر من خلال الحشود عن ثقلها وقدرتها على مواجهة القمع. وبمعنى آخر، تنظيم اي مظاهرة يكون فيها عدد المُشاركين اقل من عدد قوات الشغب تُعد مُخاطرة لها ردود فعل عكسية. أولا، قلة عدد المُشاركين تعني انك لم تنل التأييد الفاعل الكافي من الجمهور بغض النظر عن وجاهة المطالب، فالجماهير لا تغامر بسلامتها لمجرد ان المطالب منطقية، بل تريد ان تضمن سلامتها واحتمالات تحقق المطالب. نأتي للمطالب، لا احد يُصدق بأن مظاهرتين او عشرين تُسقط اي نظام، وهنا الخطا الاكبر الذي وقع فيه المُنظمون للتظاهرات الاخيرة، حيث انتلقت المطالب من مواجهة قررات التقشف إلى اسقاط النظام بسرعة خاطفة واعطت النظام كرتا رابحا لفرض القمع واعتقال اكبر عدد ممكن من المنظمين والفعالين والمواطنين العاديين - و اعتقال الفئة الاخيرة اثره اخطر في المُستقبل على حشد الجموع غير المُسيسية. 


لنعود لمثالنا السابق عن حركة الحقوق المدنية في امريكا، عندما سافر طلاب سود وزملائهم البيض بالحافلات لالباما كانت مطالبهم او رسالتهم مُحددة: اجبار الولايات الجنوبية على تطبيق قانون فدرالي ينهي العنصرية ضد السود في الطرق السريعة بين الولايات. وعلى الرغم من تعرضهم للضرب والقمع، إلا ان مخاطرتهم كانت محسوبة، فمارتن لوثر كينق تدخل على الرغم من تحفظه على الفكرة من البداية، ومن ثم تدخل جون كندي الرئيس وارسل قوات المارشال لحماية موكبهم. 

التظاهرات عامة هي بيان بالعمل للخصم بثقلك، استعراض للقوى او المارشات، خروجك للشارع وانت قليل العدد على أمل ان يلحق بك الآخرون يدل على ضعف التخطيط. 

لنذهب للهند وانطلاق شرارة مطالب انهاء الاستعمار والتي بدأها المهاتما غاندي بحملة فكرتها حق استخراج الملح ورفض الضريبة عليه، وكانت تذكرته التي قطع من أجلها آلاف الكيلومترات ليحشد الآخرين واثرت على الخصم بما يكفي ليطلب الجلوس معه للتفاوض. لو افترضنا ان غاندي بدأ بالمُطالبة باسقاط الاستعمار، هل كانت ستنجح حملته؟ 

المقاومة اللاعنفية والحركات المجتمعية لا يجب ان تكون استثناء او فرقعات هنا وهناك ومُظاهرات في هامش المشهد السياسي، بل يجب ان تكون فعلاً متصل ومُتشابك يتجه سمهه نحو هدف مُحدد يصل اليه عبر اهداف مرحلية تُحدد بدقة.


في الثمانينات في جنوب افريقيا قرر السكان الأفارقة مُقاطعة المحلات التجارية التي يملكها البيض، لم يكن مجرد تعبيرا عن الغضب وحسب بل كان فعلا محسوباً بدقة. ظل الأفارقة العاملين في محلات البيض يذهبون إلى عملهم في ولكنهم امتنعوا عن الشراء منهم، رتبو قبلها مع التجار الأفارقة وجمعوا ما يكفي من المؤمن لاستمرار المُقاطعة، لك ان تتخيل حجم التخطيط الذي تم لانجاح هذا الامر! حملة المُقاطعة كان لها سقف زمني محدد ومطالب محددة بخصوص التكافؤ في الفرص وحق الحصول على العمل. وبطبيعة الحال اعتقلت السُلطات المُنظمين بغرض كسر شوكة التنظيم - تصرف بديهي واي حركة من المفترض ان تكون مُستعدة له - إلا ان الجموع كانت تعرف ما هو دروها المُخطط ده واستمرت في المُقاطعة بالرغم من اعتقال القيادات. وفي نهاية الأمر تدخلت الغرفة التجارية (شخص ابيض) باقتراح الاستماع إلى مطالب الافارقة (القوة الشرائية ما عندها عرق ولا لون) وبضغط من التجار اذعنت الحكومة وافرجت عن القياديات وناقشت المطالب. لم تؤثر المُقاطعة على الوضع في الداخل فقط، بل ادت إلى تعالي الاصوات من خارج جنوب افريقيا مُنددة بالتفريق العنصري والابارتايد ومقاطعة اقتصادية على مستوى خارجي.

يهمني كمواطن ان تُساهم الحركات الشعبية في تنظيم مُشاركتي الفعلية في تحقيق المطالب وتمكنني من أن أجند آخرين بدون كلفة في الفترة الأولى. عندما تصل القواعد لمائة الف، قم بتنظيم بمظاهرة فيها الف شخص، سيعتقل البوليس ١٠٠، وستعود انت في الغد معك ١٩٠٠، سيقبضون منهم ١٠٠، ستعود في الغد معك ٢٨٠٠  وهكذا دوليك، لن ينضب معينك، والمشاركين يعرفون ادوارهم في التكتيكات. فمثلاً عندما قرر الطلبة السود في امريكا الاحتجاج على الفصل العنصري في مطاعم الجامعة، لم يشارك الجميع مرة واحدة، شارك عشرة، وعندما تم اعتقالهم وضربهم وطردهم من المطعم، آتى عشرة آخرين وجلسوا مكانهم، لا يكاد العكسري ينفض يده من مجموعة حتى تأتي مجموعة أخرى. الطرق المُستمر يكسر الخصم، ويوحي بكبر عددك وديمومتك..


خلاصة كل ما تقدم هم ان تحديد المطالب امر جوهري لتحديد الاستراتيجيات، كالفرق بين الهدف والمطالب  goal vs. objectives



يُتبع .. 

Tuesday, February 6, 2018

المقاومة اللاعنفية والحركات الاجتماعية في السياق السوداني الحالي - ١ من ٣


حتعامل في هذا المقال بجميع اجزاءه بناء على فرضية انو الحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية) في السودان تتبنى فكر المُقاومة اللاعنفية.

تعريف الحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية)
في تعريفات كتيرة للحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية) بعض علماء الاجتماع زي روبرت قولدبيرغ بيعرف الحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية) بأنها "مجموعة منظمة الناس تتصرف بوعي وبشكل مُستمر لاحداث تغيير ما او لتحسين وضع ما من خلال فعل جماعي."[1] بيل موير يُعرف الحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية) في كتابه ممارسة الديموقراطية "بأنها فعل جماعي يحفز الجموع ويُثقفها ويحشدها، على مدى سنوات او عقود احيانا، لتتحدى أصحاب السلطة والمجتمع بأسره بهدف مُعالجة القضايا الاجتماعية أو المظالم واستعادة القيم الاجتماعية المهمة."[2]

أصل فكرة المقاومة اللاعنفية في التاريخ الحديث ديني واتطورت الفسلفة دي خلال القرن الماضي وانقسمت لنوعين رئيسين:


المقاومة اللاعنفية الاخلاقية (المبدئية)
وهي ومدرسة تعتمد فلسفتها على ان يكون اللاعنف مبدأ ثابت في حياتك الخاصة والعامة وينعكس في تعاطيك مع خصومك، العالم من حولك، وشركائك في الانسانية وكيف تتعايش معهم. يعني اقرب للتصوف بمعناه الكبير ما المقتصر على الاسلام ومُهتم بتشذيب النفس من الحاق الضرر بأي شيء أو أي شخص. فمارتن لوثر كينج يرى بأن المقاومة المدنية هي "مواجهة شجاعة للشر بالمحبة."[3]  المؤمنين بالطريقة دي مقتنعين تماما بحقهم البيطالبوا بيه بس ما بيبرروا لانفسهم الحاق الضرر بالخصم مهما تعرضوا للعسف او الظلم او حتى القتل. اللاعنف في نفسو مبرر كافي، يعني اللاعنف ما وسيلة بل غاية وطريقة حياة. 

أي نعم المدرسة دي فيها نوع من المثالية والتشبه بأخلاق النبوة، إلا انها بتكسب شعبية وبتترك أثر لأنها بتخلق في النفوس صورة مُتمناه للأنا العليا وبتلاقي مؤيدين ليها حتى لو ما ما قدروا يوصلوا روحياً للمرحلة المتقدمة، غاندي مثالاً. أنا شخصيا بافتكر انو المهاتما غاندي كان برقماتي لحد ما - وده ما أمر سيء بالمُناسبة.

المقاومة اللاعنفية الاخلاقية بتقول انها ما بتوقع أذى على الخصم، بس فكرة الأذى دي نسبية وبيحددها الخصم ما انت، مثلا لما تجبرني كمُستعمر مستفيد من خيرات بلدك مجانا من اني ارضخ ليك وتخسرني قروش وسُلطة انت اذيتني، بغض النظر عن منو البدا الأذى هنا، انا اتأذيت. يعني انا افتكر استبعاد فكرة الاذى من مواجهة الخصم فيها مثالية غير واقعية، مافي خصم بيستسلم ليك كان ما لويت يدو (بالعربي اذيتو وآلمتو للحد البيخليهو يقدم تنازل يقلل من حدة الألم). والمدرسة الغاندية (نسبة لمهاتما غاندي) ليها نُقاد بيروا المدرسة دي في النظم الديموقراطية بتسقط دور القانون في ضبط الاوضاع وبالتالي بتقود للفوضى. صحة النقد ده محتاج نقاش مفصل في وقت تاني لانو محتاجين نفكك طرق الحفاظ على الديموقراطية ودور المجتمع المدني وقصور المؤسسات ووهن مفاصلها في الديموقراطيات لدرجة انها بتدخلك بحمد وتمرقك بخوجلي زي ما حاصل حاليا في أمريكا مع (بابا ترمب). الشاهد، المقاومة اللاعنفية الأخلاقية بتكون صبورة وعندها تؤدة وبتخش في صراع مع الخصم بهدف كبير بعيد المدى هو تغير الواقع المرفوض من خلال تغيير السبب الجوهري. الخلاصة انو فلسفة اللاعنف مُبتغى وهدف واسلوب حياة.

المقاومة اللاعنفية التكتيكية (او الاستراتيجية أو البرقماتية)
طيب، خلصنا من ناس اللاعنف المبدئي والاخلاقي نجي على ما يلينا من المقاومة اللاعنفية في سياق التحليل السياسي والمقاومة المدنية. المقاومة دي بتتعامل مع اللاعنف كتكتيك ما طريقة حياة، يعني استخدام اللاعنف هو خيار استراتيجي وبرقامتي. جين شارب بروفيسور العلوم الاجتماعية والاب الروحي لعلم المقاومة اللاعنفية التكتيكي (مات الاسبوع الفات بالمناسبة) بيؤيد النوع التاني البرقماتي وبيرى انو النوع الثاني اقرب للواقعية وانو المقاومة اللاعنفية في سياق سياسي الاجدى انها تكون وسيلة لا غاية في حد ذاتها. النوع ده الكنته فيه هي التفكير الاستراتيجي بمعنى انك تفكر بشكل مُستمر في كيف تحارب بدون سلاح وفي نفس الوقت تكسب نقطة في كل معركة ضد الخصم وتتأكد من انك الحقت أذى - ولا تنكروا ولا تتبرأ منو - بالخصم علشان تجبروا يستمع ليك ويحقق مطالبك. الفكرة الاساسية انو استخدامك للاعنف بيخت خصمك في خانة اليك وبيكسبك تضامن شعبي لما تتعرض للقمع وبالتالي بيوسع دائرة حلفائك وكمان بيقلل خسائرك (المقاومة اللاعنفية بشكل عام خسائرها أقل ونسب نجاحا أعلى من المقاومة المُسلحة) بس لانو محتاجة نفس طويل، لازم تكون عندك استراتيجيات لكل مرحلة.
Source: New York Times

المقاومة اللاعنفية ليست مُرادف للسلبية وتصعير الخد الآخر
هناك قول مغلوط مفاده أن المقاومة اللاعنفية، والأخلاقية تحديداً هي طريقة سلبية أو ضعيفة كونها لا تُمارس العنف ولا ترد عليه بعنف مقابل. طبعا القول ده قول عار من الصحة لأن المقاومة اللاعنفية (اخلاقية كانت أو برقماتية) في الحقيقة بتواجه الخصم وبتحول الصراع من كامن latent إلى ظاهر وبتحدد ساحة المعركة (المطالب) وما بتكون سلبية تجاه الخصم. المقاومة اللاعنفية بتجبر الخصم يعترف بالمشكلة وبيهم. ردود افعال المقاومة اللاعنفية بتكون ما حادة وبتعرف تصعد متين وكيف، وغالبا ما تستخدم قمع الخصم لمصلحتها (لكسب التعاطف، سحب الثقة من الخصم، كشف الخصم الخ) وبالتالي تعاملها مع القمع ما بس من باب رد الفعل بل من باب توظيف القمع نفسه لخدمة القضية وعلشان كدا بتكون محتاجة ضبط للنفس ورباطة جأش (جأش ايوة جأش)
Banksy's


الفرق بين اللاعنف الاخلاقي واللاعنف الاستراتيجي
النوعين من المُقاومة اللاعنفية مختلفين في فلسفتهم في التفاصيل والسلوك الفردي في الخاص والعام والاهداف بعيدة المدى (الاخلاقية بتستهدف السبب الجوهري وانهاء جميع انواع العنف - البرقماتية هدفها انهاء عنف محدد بعينة ومبتشوف البينفع شنو في المعركة المحددة دي) فكرة التسامح مثلا عند المدرسة الاخلاقية جزء اصيل من الصراع ووسيلة لاستمالة الخصم وتغيير السبب الجوهري بينما النوع البرقماتي بيتعامل مع التسامح والتصالح كتكتيك لكسب المعركة (ما معناها بيغشوا الخصم بس ما بيسامحوا لانهم طيبين ويلا الناس تحب) النقطة الاساسية البتجمعهم هي انو التعامل مع القمع يكون سلمي، ليه بقى دي كلام كتير زي ما وضحنا فوق .(الجدول ده بيبين الفروق بين النوعين بالتفصيل على مستوى الاهداف والوسائل والشخصي والعام.)

المقاومة للاعنفية وفض النزاعات وصناعة السلام: تكامل ما تشابه
النقطة الأخيرة والمهمة جدا انو في فرق كبير بين المقاومة اللاعنفية وصناعة السلام او فض النزاعات، المدارس دي مختلفة تماما من ناحية التعاطي مع الصراع. المقاومة اللاعنفية بتخلق صراع لاعنفي وفض النزعات بيجي داخل الصراع الكامن او المنفجر بمبدأ باركوها يا جماعة. اللاعنف بيجي من تحت لفوق بمعنى انو مُلتحم بالجماهير اكتر وبيمثلهم اكتر وفض النزاعات بيجي من فوق لتحت يعني عبر القوانين والاجراءات واذرع الدولة. الاتنين (المقاومة اللاعنفية) و(فض النزاعات و\أوصناعة السلام) بيتقاطعوا وممكن يكلموا بعض بس ما كلهم واحد سيم سيم صديق لا في الاساليب ولا الجمهور ولا الجهات الفاعلة ولا مدى التغيير.

اسئلة وجودية
هل كل مقاومة لا عنفية هي بالضرورة مبنية على الاخلاق؟ ولا اي مقاومة عنفية بالضرورة فيها جزء تكتيكي؟ وايهما افضل لسلام مُستدام؟ لاعنف تكتيكي ام لاعنف مبدئي؟

يُتبع

هوامش

[1] Robert Alan Goldberg, Grassroots Resistance: Social Movements in Twentieth CenturyAmerica. (Belmont CA: Wadsworth, 1991), p. 4.
[2] Moyer, Bill. Doing Democracy: The MAP Model for Organizing Social Movements. (Gabriola Island, B.C.: New Society Publishers, 2001), p. 1).
[3] King, Martin Luther, Jr., Stride Toward Freedom; the Montgomery Story. (New York: Harper & Row, 1958. Print.), p. 80.


Friday, September 23, 2016

My journey of self-discovery through DNA tests, among other means...


I recently decided to do a DNA test. I'll talk about the reason at some point. I  will blog about this experience as I wait for the results, and after I get them. But this blog post is not only about my DNA results. It is one of my attempts to explore the aspects that make up my identity, believes, soul, thoughts, and sense of being. It is about what makes me Ozaz, Uzaz, or Azaz; depending on how you got to know me and what language you speak. The deferent spellings of my name is a whole nuther story!


PART 1

The short answer to “Who are you?” “ Where are you from?” And all other sorts of similar questions is: I am Nubian. An answer I’ve learnt to say since I learnt to make words and comprehend the world. Would that change now that I am waiting for my DNA results? I don’t know.

I was born in a small village called Gunnies. Yes. You read that right. Like the beer as my friends would say to tease me. My mom gave birth to me after several years of marrying my father. She wasn’t worried about her fertility as she had a daughter from another marriage and my dad had other four children from his first wife, too. So my arrival to this world was a matter of time. That’s all. 

My mom was washing cloths when I decided to announce my enthusiasm to come and join you all. My dad was visiting his first wife – don’t judge, please – when I finally made my first cry into the world. He came by in his way to catch his train back to Saudi Arabia where he was working at the time. Family and neighbors, who are family as well, gathered to celebrate my coming.

My parents didn’t know what to name me. A fact they don't mind sharing whenever they are asked why I was named Ozaz. You'd think they would be more prepared for me joining them. What should we name her, a question many expectant parents would ask. But mine didn't.  Apparently, they didn't care much about the name that would stick to me for the rest of my life. Thank you, mom and dad. So, to solve their indecision, they decided to write down names suggested by nieces and relatives in small pieces of papers, fold them, and pick that name that would my official name. I had no name until the 7th day of my birthdate, which is the day a newborn's official name is announced. Since I had no name, my nameless ass was called NuNu or Kononna, means babe, by everyone, including my mom.  

My naming ceremony was more like a raffle drawing. How inclusive and participatory! Zainab, Hajer, Ghada, Ivana, Dara, and Ozaz were among the suggested names. I am not sure who choose the folded piece that had Ozaz on it, but I thank her/him for that. This name is one of the pillars of my identity.

I really don’t know what name I would want if I was not Ozaz. It is a rare name. I only met a few girls/women named Ozaz and I didn’t like them for sharing my name! I was 6 years old visiting a relative whose daughter was named Ozaz. I cried when they called her twice and felt she’s taken something that belongs to me. I still feel the same in the very few occasions I met an Ozaz. I hope they’d considered finding another name and let me have it exclusively. Please.Thank you.

So, here was a little fuzzy Ozaz growing up in a remote and carefree village in Nubian land. I spoke Nubian language, played with goats, and ran around barefoot. The house where my dad was born was 500 feet away from my house. It was the same house that witnessed the birth of his father, too. My dad was born in 1909. I'd say that house and land around it belong to us for more than 200 hundreds years. You do the math. 

Growing up, I didn’t have games or TV to watch. The sky and nature were my entertainment source. I played house in the woods and raced with tin toy cars. My Barbie doll version was a bald stick doll dressed in rags. I went to bed with the backdrop of elders’ voices reciting Quran and drifted to sleep as I counted meteors falling in the sky above me. We didn’t sleep in rooms. We slept in the front yards. I didn’t sleep in a room until I was three. I still prefer sleeping under the sky more than 5 starts hotel room. I think my dreams then were more colorful and creative. I don’t know how I’d prove that though.

My staple of conception of fear, wrong, right, proper, and indecent were very much shaped by patrimonial anecdotes: a donkey's braying indicates it has seen the Devil, so I'd stick my fingers into my ears as I ran to find my mother to seek refugee behind her. Girls herd the cattle and men man the farms. Girls must be coy and polite in presence of men or even boys, a rule for which I never cared since an early age. Cover your moth when you laugh or smile. Dust swirls are dancing jinis. Good always triumphs over evil.  Sex is shameful. Children are sown in their mothers wombs by angels. Nomadic Arab tribes transiting though our stagnant villages in the Fall are thieves and not trustworthy. Twins turn into cats at night. God is called Nur and he is a touchable being that I can touch and hold on to; we actually have a phrase that translates to "I'm holding on to God." 

End of PART 1




Saturday, April 30, 2016

‪#‎Sudan‬, the invisible county ... an appeal for international media

In case you don’t know what Sudan is, it is an African country- well, identity aside, this might be the only thing Sudanese people would agree on, its location. It shares boarders with Egypt and Ethiopia, among other countries, but you’d properly know these two countries if you live in the northern hemisphere, or anywhere to be frank. Our president, Omar al-Bashir, is the only sitting head of state wanted for genocide, war crimes, and crimes against humanity for his crimes in Darfur. That might ring a bill.

This plagued country rarely makes it to the headline unless million of people die, a UN official issues yet another press release expressing concern about escalation of violence and calling on the Khartoum regime to bla bla bla, or a reporter manages to get his/her piece to print/wire for the lack of more worthy news ... only then, Sudan may make it to the news, and you’d see it in a shy corner under Africa affairs. However, more often than not, we are forgotten. We don’t exist. But the painful truth is, we do. And our live in Sudan is not that great and lack of media coverage exacerbates our agony.


The thing is, our stories are not sexy, and by that I mean they are not appealing to international media or audience. We are not ‘exotic’ enough, or at all. We fit the stereotype of an African country: poverty, inter-communal conflicts, kakistocracy government, and so many complex issues that no one has the time to unpack, or cares to do so. And for that, we are not making it to the headlines most of the time thus we circulate our miseries among us, Sudanese. We are consumed by tragedies; we enjoy interval moments of peace until the next blow. We have some uplifting stories from time to time but they too, go unnoticed.

Sudanese gathered at a graveyard burying a Student who was shot on April 27Photo published on Twitter with little or no background info.


To be fair, we share some part of the blame. We, Sudanese, are not good at communicating with the world. We talk among us, we don’t think of non-Sudanese as audience. We often post photos with phrases only a Khartoumi or an urbanized Sudanese can decipher. We are insular; as a defense mechanism or as a copping one, it doesn’t matter, at the end of the day it keeps us out of the picture. And we are convinced that we are to face our daily promise of death alone. We’ve learnt that we are destined to mourn our victims alone. We learnt to express our sorrow in the most esoteric way for a foreign to understand what the hell is going on: fill our newsfeed with photos of young victims’ bodies covered with blood and faint phrases with no substance to tell the whole story; we share weeping poetry to refers to historical days or event, and you, non-Sudanese, will not know what we mean or what the hell is going on. We pay back for ignoring us by isolating you, which hurts us more than it hurts you. It gives us more reasons to indulge in our self-loathing rituals. 

We know that we have no Tahrir square to fill up with of thousand of energetic people holding funny signs that could go viral; we don’t’ have many savvy social media activists who have enough social capital to relay on to drag the attention. So we grew insular. We adjusted ourselves to the fact that we are left alone to deal with it on our own. We also think no non-Sudanese cares, so why bother to make our pain and stories accessible?

But we need international media to look our way; we need international media outlets to give us a line or two to tell our story. The few times our stories were heard, many lives were saved.[1] & [2]

3ayin Sudanese news website with focus on Nuba Mountains

Finding the right contact in Sudan might not be easy, I know. He or she might not have all the facts; but why don't you try to reach more than one person? I'm a journalist myself and I know tracing complex issue is hard, and we, journalists, function under tight deadlines and we tend to reach out to handful of names that we gathered over the years for each country. But, I hope you’d do more next time you cover Sudan. Spare an hour a week to follow some Sudanese social media. Believe me, one of the random photos with Arabic description might be your gate to a worthwhile story. Sudan has more to tell than what UN press releases or officials of other countries say about Sudan. Sudanese have a lot to share, and it will help you connect the dots. Try to reach out to them. Try. It will make our live better if our stories are heard. Just try, please.




[1] "An Idealist on Death Row," Foriegn Policy, October 3, 2012

Wednesday, January 6, 2016

النظرة الدونية للمرأة في الخطاب السياسي الشعبوي السوداني

ميكافيلية يصنعها الرجال ويتحمل وزر اوصافها النساء


قرأت مؤخراً تعليقات غضبى تصف تلوّن السياسة الخارجية للسودان بالعُهر السياسي ووصفت احدها السودان بالعاهرة المُتسكعة في الشارع السياسي تبحث عن مُشتر ثري، وهو تعليق مُحمّل ومُثقل بقيم مُجتمعية عن القوة والقدرة والضعف والخنوع والنوع الجندري. أود أدناه توضيح الفرق البائن بين العهر وما تفلعه السياسة الخارجية السودانية.


الرئيس الايراني احمدي نجاد والرئيس السوداني عمر البشير عقب لقاء ثنائي لتوثيق العلاقات في ٢٠١١م مصدر الصورة  



تبّنت السياسة الخارجية للسودان في الفترة الأخيرة تحولات راديكالية وانتقال من ضفة لأخرى - من مُناصرة مُعلنة ومُسسترة لإيران إلى عداء سافر يتتبع خطى دول الخليج أينما ولّت وجهها في سعيّها لتصعيد الصراع مع الكتلة الشيعية. وما هو معلوم للكثير أن السودان كانت محطة تمرير للأسلحة الإيرانية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو الأمر الذي لطالما أثار حفيظة دول الجوار وعلى وجه الخصوص السعودية، ناهيك عن استعداء اسرائيل التي اتهمتها السودان بقصف مصنع اليرموك في أكتوبر ٢٠١٢م. [1] وردت إيران بارسال فرطاقتين إلى السواحل الشرقية للسودان خلال أقل من اسبوع للتدليل على عمق العلاقة بين البلدين واستعداد إيران للزود عن السودان،[2] وخصوصاً بعد تدخل الأولى في الحروب الداخلية للأخيرة.

تعمقت العلاقة السودانية الإيرانية عندما شاركت إيران بقدراتها العسكرية في الحرب الأهلية في السودان في مايو ٢٠١٣م،[3] وردّت الدبلوماسية السعودية في اغسطس ٢٠١٣م بمنع طائرة الرئيس السوداني من عبور الأجواء السعودية في طريقها إلى إيران لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد حسن روحاني.[4] وعبرت السعودية صراحة عن اسفها للتقارب السوداني الإيراني على إثر الضربة التي قامت بها اسرائيل ضد السودان عبر مقالة الرأي للصحيفة السعودية "الرياض"، والتي تُعبر عن رأي القيادة السعودية، حيث قال يوسف الكويليت في كلمته: "السودان يمر بحالة فقدان التوازن عندما فقد صداقته العربية وخاصة دول الخليج العربي التي تعرف دقائق تحالفه مع إيران عسكرياً وسياسياً." [5] إلا أن عُرى العلاقة بين السودان وإيران انفصمت لأسباب يطول ذكرها، وولت الخرطوم وجهها للخليج وخصوصاً أن الظروف الإقليمية كانت مواتية لقبول العائدين من "الغي".[6]

إلا أنّ الخرطوم لا تنأي عن بيع أي شيء في سبيل الحصول على تمويل وسيولة لتسيير شؤون الدولة المُتهالكة والمُنهكة. فالرئيس السوداني الذي وصفته مذيعة سكاي نيوز العربية [7]- المموّلة إمارتياً - بأنه ابن الحركة الإسلامية الذي جاء إلى الحكم، إلا أن ذات البشير تنصل من تاريخ انتماءه للحركة الاسلامية وبرر لدول الجوار ادراج التنظيم في قائمة الإرهاب،[8] وهي من ضمن محاولات مُهطِعة للتطبيع مع الخليج والتطهر من وُزِرَها بالتقارب مع إيران. [9] وفي ذات اللقاء، برر اقفال الحُسينات وقلل من اهمية التبادل التجاري الإيراني-السوداني والذي يُقدر بـ ١٥٠ مليون دولار للعام ٢٠١٤م فقط. والآن الخرطوم تُشارك بعتادها - وجُله من تمويل وقدرات إيرانية - في حرب بالوكالة في اليمن، وطردت السفير الإيراني على إثر التصعيد الدبلوماسي بين إيران والسعودية،[10] [11]وخصوصاً أن السعودية الآن الانت جانبها[12] للسودان لمشاركة الأخير بلواء مشاة في حرب اليمن.[13]وما تزال الساحة حُبلى بتنازلات أكثر لها تداعاياتها سنشهدها على مدار العام الحالي.


ماهي اشكالية وصف السياسة التي غالباً ما تكون صنيعة رجالية بالعُهر؟



إن الحديث عن بهلوانيات السياسة الخارجية السودانية - او الداخلية - حديثٌ ذو دهشة لا تنقطع، إلا أن الغرض من المدخل الأول اعلاه هو لطرح سؤال يتعلق بوصف سلوك السودان بـ "العُهر" وهو ما يعني ضمناً ان السودان "عاهرة" تذهب لمن يدفع أكتر. 



النمط السياسي أعلاه والعلاقة المتداخلة  love triangle بين السعودية وإيران والسودان هي أمر سياسي (رجالي) بحت. فالطريف في الأمر أن الدول الثلاث هذه تحديداً لا وجود للمرأة كصانع قرار في الشؤون المتعلقة بالسياسة الخارجية أو الأمن الوطني، والوجه النسائي الوحيد في الثلاث دول المملوكة بالكلية للرجال هي رضیة أفخم، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية في دولة الرئيس حسن روحاني، وهي أول إمرأة تشغل هذا المنصب في جمهورية إيران، إلا أنها ليست في موقع صنع للقرار وإن كانت ناقلة له. وعليه، لما تصف تبعات سياسات خططها ونفذها (الرجال) بوصف العهر المُقتصر ضمناً على المرأة؟ هل لأن مواعين اللغة عقرت عن إيجاد مُرادف للكلمة للرجل؟ أم لأننا مؤمنون تماماً بأن ادنى مرحلة يصلها الرجل هي وصفه بصفات النساء، وفي النساء العاهرات. الأمر بالنسبة لي متعلق بثقافة حقوق الإنسان ومدة اقتناعنا حقيقة بحقوق من يتعرضون للاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر، وتعريفنا لماهية الاستغلال. فالمراة العاملة في مجال تجارة الجنس لا تملك بالضرورة قرارها بالانفلات منه، فهذه الصناعة يحرسها مُستثمرون يجعلون امر الفكاك من المواخير أمراً بالغ الصعوبة. أما السودان على الجانب الآخر، فمهما أهان نفسه بحسب الآراء، فلديه ما يعطيه ويمنعه، بعكس حال العاهرة التي لا تملك رفاهية المنع في أغلب الأحيان. 



مصدر الصورة

لنفكك الأمر سوية لنصل لكهن الأمر. من هي العاهرة من الأساس؟ ولتفسير المفردة من الضروري تحديد السياق المُجتمعي لها، فنحن هنا نتحدث عن المجتمع الشرق أوسطي لا غيره، حيث حديث الجنسانية او المدارس الفكرية التي تؤيد حق المرأة في جسدها لا تُسهم بشكل مُباشر أو غير مُباشر في الوعي الجمعي. إذن من هي العاهرة التي نصف بها سلوك التأرجح السياسي للخرطوم، وهو التأرجح المعلوم للسياسة بشكل عام حيث تتبع الدول مصالحها أينما كانت ومع أي كانت، ولكن نظل هنا نصفها بالعهر، وبتعمد أو بغير تعمد، نقصد المحمول السالب الانثوي إن صح التعبير. سبق لي وان قمت ببحث مع عاملات في مجال الجنس، ولم يسبق أن اخبرتني احداهن بأنها كانت تحلم في صغرها بأن تكبر وتكون عاهرة تبيع في المتعة لمن يُريد. جُلهن قادتهن ظروف مُتباينة في ظاهرها وتتفق في جورها لتجارة الجنس؛ الفقر والنزوح والإجبار ظروف تتكرر وتربط بينهم بخيط لا مرئي. عقد مُقارنة بين التأرجح في المواقف السياسية، والتي كما سبق وذكرت أساس السياسة وتحكمها الضرورات السياسية دائمة التغيير، بسلوك العاهر التي هي في الأساس بائع (مجبور) لبضاعة من الطبيعي أن يذهب لمن يدفع أكثر، أمر بالغ الغرابة، إلا أن التفسير الوحيد لذلك هو رغبة من يستخدم الوصف في اسباغ الصفة الدونية على الموصوف وبالتحديد وصفه بالأثنوية الخنوع التي تؤخذ بقوة الرجل المالك لمبلغ الشراء. بالتالي المُشتري - الرجل عادة - هو الاقوى. ومن الجلي أن صفات الفجر الرجالية لا تروي غل الثائرين على تقلبات السياسات الخارجية فالوصف بالفجور للرجل هو وصف للفعل، أما وصف احدهم بانه عاهرة فهو وصف دوني مُركب، انت امرأة يبيعها رجل ويشتريها - أدنى مكانة مُتخيلة في الوعي الجمعي الذكوري.[14] 

أميل للرأي الذي يرى الدعارة كاتجار بالبشر واستغلال جنسي، ولا أرى العاهرة او المُتاجرة بالجنس سوى ضحية من نوع ما، وظروف عملها غير عادلة، وتقتطع من انسانيتها ما لا تُغطية كُلفة الليلة الواحدة مهما ارتفعت التكلفة. إن انحينا التعاطف مع عاملات الجنس جانباً، لم يُستثنى الرجل المتمتع بخدمات عاملات الجنس من الوصف وساء اللغة عليه بمفردة جديرة بالتداول؟ لما تحمل "العاهرة" وزر اختيارها واختيار طالب المُتعة؟ الاجابة ببساطة هي أن المقصود من الوصف هو التقليل المُرتبط بوضع المراة في الوعي الجمعي، وهو أمر لا يتقصر على ثقافتنا بالطبع بل سلوك مُتّبع في ثقافات العالم أجمع ترتبط جميعها بالمرجعية الفكرية التي ترى المرأة العنصر الأضعف المُهان ويسهل شراءه. 

ليست هذه المرة الأولى التي توصف فيها سياسات الخرطوم بالعهر، أو تُستخدم فيها صفات مُقللة للمرأة في سياق سياسي. فحسن اسماعيل، الكادر الخطابي المفوّه لحزب الأمة الذي انتقل حديثاً لكتلة الحزب الحاكم أجج مشاعر المُحتشدين في محفل معارض منتقداً فساد وزير المالية بقوله" ياهو يقعد واحنا نقعد في بيتونا نلبس طرح"[15] أو الخيار الآخر الرجالي الضمني الذي لم يقله فانطلقت الهتافات جُؤارُ رجالية بـ "حرية" "حرية"! دون أن يطرف لأحد منهم جفن. والهتاف المؤيد يستجمع كل التقليد الشعبي الذي يرى قمة الذل والهوان للرجل أن يكون امرأة - وان لبست طرحة - فناهيك إن كانت عاهرة! ولتكتمل الصورة، لابد أن ننظر لفكرة تناول المراة للسياسة التي تُرى بانها حكر على الرجل. وتتنازل المرأة العاملة في مجال السياسة عن حقها في التنافس على مواقع تنفيذية كمقعد رئاسة الجمهورية خشية استفزاز المُجتمع "التقليدي"،[16] وهو أمرٌ يُقرأ مع فتوى علماء السودان التي حرّمت ترشح المراة للرئاسة [17]- وانكرت صلتها بالبيان فيما بعد. وذات المرأة المُستخدمة كرمزية للتحقير هي ذاتها المرأة المُستخدمة لتحفيز الرجولة في الرجل والتفاخر بتقدير المهيرات والكنداكات، وهو احتفاء في نظري غير راسخ او مُستقر في الثقافة الشعبية بل احتفاء عابر ومرحلي كمدخل لرفع همم "الرجل"، بينما النظرة الدونية للمرأة وكل ما هو مُرتبط بها من تُقي (لبس الطرحة) أو فجور (العهر) مُتعمقة ومُتجذرة.

الثقافة الراسخة هذه ليست وليدة اللحظة وتتبعها ليس بالأمر السهل، فهي تراكمات التعاملات اليومية، وما تحوية من محمول ثقافي متوارث منطوق أو ملموس، يكرس لتفوق الرجل على المراة وبالتالي اعتبار وصف خصم بما بتتصف به المرأة انتقاصاً يليق بحجم الخطأ (الكبير عادة). هي ثقافة ممزوجة في الأغاني، والطقوس، وتوزيع السُلطة في اي حيز حتى لو كان مكان عام. أذكر أن صديقاً نشر على صفحته الشخصية على الفيسبوك عن تصرف سائق لحافلة في الخرطوم كال فيها السباب لفتاة على تمشي في الشارع المُقابل للحافلة لأن طرحتها سقطت عن رأسها - بعمد أو بدون قصد، ووصفها بأقذع صفة تُلطلق على امرأة في مُجتمع مُحافظ. والمؤلم أكثر أن الفتاة رفعت طرحتها ولم يُبد أي شاهد على الموقف تذمره من الفعل، فالسائق هنا وكّل نفسه بأن يكون وصياً على قيمة العفة المُجتمعية، وهي سُلطة لا يملكها إلا الرجل على المرأة، فلن تسمع عن أمرأة قوّمت سلوكاً لرجل على الملاء ونجت بفلعها من المُخطئ أو الحضور.

وعليه، فهذه المنظومة السياسية المرهونة للثقافة المتوارثة عن النوع، تطل برأسها من حين إلى آخر في خطاب الرجل المُثقف، فوعيّه القريب والعميق نتاج لكل ما يراه ويُشاهده ويسمعه في مُحيطه القريب.

وختاماً، سلوك السودان مع دول الجوار مُتفق مع الأعراف الدولية في السياسة الخارجية، وهي ذاتية وميكافيلية ولا تخضع للحسابات الأخلاقية الطوباوية، ومن ظنها كذلك يحتاج أن يتلمس ثقافته السياسية. إن المأخذ الحقيقي على السودان في تلوّنه السياسي والتحالفي هو تبعات هذه التلوّنات على المدى البعيد والقريب كذلك، وهي حكمة تفتقرها حكومة الخرطوم فهي تسيّر أمورها بمنطق "رزق اليوم باليوم".





-------------------------------------------------
الهوامش

[1] "الخرطوم: 4 طائرات إسرائيلية قصفت مجمعاً عسكرياً" العربية نت، ٢٤ أكتوبر ٢٠١٢م http://goo.gl/7zQJgC
[2] "الخرطوم تعلن وصول فرقاطتين إيرانيتين.. وتجدد النيران في مصنع اليرموك الحربي،" الرياض، ٣١ اكتوبر ٢٠١٥م http://goo.gl/2227Oc
[3] "إيران تدخل رسميا فى حرب الخرطوم ضد متمرديها،" الوطن العربي، ١١ مايو ٢٠١٣م http://goo.gl/Bm6ufe
[4] "السعودية تمنع مرور طائرة البشير وإيران تأسف،" الجزيرة، ٤ اغسطس ٢٠١٣م http://goo.gl/n15lU9
[5] "كلمة الرياض : سقوط الأقنعة بين السودان.. وإيران.." الرياض، ١ نوفمبر ٢٠١٢م http://goo.gl/OfZVQH
[6] "3أسباب دفعت السودان لتفضيل السعودية على إيران،" الخبر، ٢ مايو ٢٠١٥م http://goo.gl/jpx2pn
[7] فيديو| بصراحة.. مع الرئيس السوداني عمر البشير، قناة سكاي نيوز عربية، ٢ ديسمبر ٢٠١٥م https://goo.gl/3yN5xC
[8] "الرئيس السوداني عمر البشير لـ «الاتحاد»: علاقاتنا مع الإمارات متينة ومتواصلة منذ عهد زايد،" الاتحاد، ٢٣ فبراير ٢٠١٥م http://goo.gl/O8RA1H
[9] للمزيد عن تاريخ النظام الحاكم مع التنظيم الدولي للإخوان المُسلمين "البشير نحو صفقة جديدة: ترك الإسلاميين مقابل دعم اقتصادي،" العربي الجديد، ٢٨ فبراير ٢٠١٥م http://goo.gl/9Whgwq
[10] السودان ينضم للبحرين ويقطع علاقاته الديبلوماسية مع إيران،" Deutsche Welle، ٤ يناير ٢٠١٦ http://goo.gl/yas6Jm
[11] "السودان يؤكد قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران تضامنا مع السعودية ضد "المخططات الإيرانية"، سي. إن. إن، ٤ يناير ٢٠١٥م http://goo.gl/gt7TZ9
[12] "الاتفاقيات السعودية السودانية.. هل تنعش اقتصاد السودان؟"، الجزيرة، ٦ نوفمبر ٢٠١٥م http://goo.gl/kLhjmB
[13] “قوات سودانية تنتشر في (عدن) اليمنية مدعومة بالأسلحة والمدرعات لتعزيز قوات التحالف،” سودان تريبيون، ١٧ اكتوبر ٢٠١٥م http://goo.gl/s7lNxT
[14] فيلم وثقائقي "في الليل يرقصن" يُسلط الضوء على تجارة الجنس في مصرhttps://goo.gl/ZUXHlV
[15] فيديو يوتيوب لحديث حسن اسماعيل| https://goo.gl/gJstMt
[16] “المرأة تتخوف من الترشح لرئاسة السودان” الشروق ٢٩ اغسطس ٢٠١٤م http://goo.gl/pC4Pr0
[17] "بعد ترشح سيدتين: هيئة علماء السودان: لا يجوز تولي المرأة لرئاسة الجمهورية،" مُحيط، ١٥ يناير ٢٠١٥م http://goo.gl/V2u7Px

** الشكر العميق لمحمد عثمان لاقتراحه عنوانا مُلائما واقصر للموضوع.