Sunday, August 25, 2019

كيف تحمي الثورة باستخدام مواد طبيعية؟

مسؤولية حماية الثورة ملقاة على عاتقك أنت وحدك، لا أحد غيرك

(١) حافظ على قوتك وحدد أولوياتك: 
الثورة قامت لما الفرد أدرك القوة العنده وهي القبول/الموافقة consent والي لما يسحبها، ستفقد السلطة شرعيتها لأن السلطة تستمد قوتها من خضوعك انت ليها. ولما زاد عدد الناس العرفت القوة الكامنة جواها تكاتفت قوى كل المشاركين في الثورة وقامت بسحب الثقة من السلطة مما أدى لسقوط النظام - أو جزء منه لنكون أكثر دقة. القوة الكامنة دي ما مفروض تخمد أو تترهل في أي مرحلة من مراحل الفترة الانتقالية أو المستقبل لأن قبولك/موافقتك/consent هي وقود أي سُلطة. ما مفروض تديها لأي جهة ما لم تكون متفقة مع أولوياتك ومبادئك. في المرحلة الحالية -بسقوط النظام الظاهري - في أولويات جديدة لأن الواقع جديد بس لازم تحددها انت كفرد وما تتبنى أولويات الآخرين. لا تذوب في الانتماءات. وتذكر قول الصادق الرضي: 

أعرف أننى سأظل ضد السلطة اللاوعى 
نحن الآن في عمق القضية
مركز النار 
وبالهامش تبقى 
سلطة اللغة الخفية كي تعلق بالفراغ.


(٢) حاسب السُلطة ولا تذوب فيها: 
أي مجموعة، مهما سمت أخلاق عناصرها، قابلة للتحول إلى سُلطة ديكتاتورية لو توفرت لها نفوذ مطلق ولم يصوبها المجتمع وشارك في رسم ملامح نفوذها ومساحته. 
في مفهوم اسمه معضلة القوة أو (paradox of power) وبشرح مُبسط جداً، مفاده أن النفوذ والسُلطة تؤثر في صفات ومبادئ القادة. أقرب مثال من واقعنا السوداني ما حدث بخصوص حكومة التكنوقراط. عندما كانت الأحزاب خارج محيط السُلطة والنفوذ، كان عندها تصور معين لشكل السُلطة اتسم بالتشاركية والبعد عن المصلحة الحزبية. وكلن مع اقتراب قوى الحرية والتغيير من مقاليد السُلطة خلال فترة المفاوضات والآن بعد توقيع المذكرة الدستورية، تغيّرت مفاهيمها وابتعدت عن فكرة الحياد السياسي في المرشحين. وأصبحت ترشح بناء على الانتماء الحزبي المباشر أو غير المباشر، وأمامنا أمثلة كثيرة في التعيينات الحالية في المجلس السيادي، ومن المتوقع أن تزداد حدة في الحقائب الوزارية - وهو نمط ضد موقفهم المبدئي السابق. 
وهناك نمط آخر، وهو أن القيادات تبتعد عن التفاصيل وترى الصورة (الأكبر) من منظور يعزز نفوذها، وعادة ما يكون على تضاد مع مصالح القواعد وعلى حساب قيم العدالة. وغالباً ما يصعب تحقيق توازن بين السلطة والعدالة. فمثلا في الواقع السوداني الحالي لم تُولي المحاسبة حقها، أو حتى العدالة الانتقالية في شغل المناصب - لو استثنينا السيدة رجاء نيقولا عبد المسيح كونها امرأة ومن أقلية دينية. 
وبناء على ذلك، دورك كمواطن هو عمل آلية محاسبة تحفظ لك تحقق أكبر قدر ممكن من المطالب كي لا تسقط بين الشقوق. لا تفترض أن القيادة التي أمامك هي نفس القيادة السابقة أيام الثورة، هو تحول طبيعي الجميع مُعرضون له. محاكمة القيادات السياسية ليست الهدف الآن ولا الموضوع، الأهم أن تضغط على صناع القرار باستمرار ليعودوا لخط المطالب العادلة. توقع منهم الصد والتباطؤ، ودورك أن تكون ملحاح.
بالإضافة لكل ما سبق، مهم تحديد الأولويات الخاصة بيك كـ مجموعة أو فئة، وتحمل مسؤولية المتابعة وعدم الركون لشعارات الثورة. مثال آخر من السياق السوداني، لو راجعنا لميثاق الحرية والتغيير سنجد أن ما تحقق قد يكون نصف بند فقط، وما زالت المطالب الأخرى قيد الغيب وقد تتحقق وقد لا ترى النور لو ترك الأمر للقيادات الحالية. 
نرجع نقول تذكروا مقولة وليد عبد الرحمن: يا جنابو انت ارمي بمبانك، واحنا بنترس. 

عزاز شامي


Tuesday, July 23, 2019

العدالة والمحاسبة لا تتحقق من خلال التحقيقات فقط | السودان - ثورة سبتمبر ٢٠١٩

حزنت جداً لمسح وتشويه جدارية للشهيد عبد العظيم أبو بكر والذي استشهد في موكب ٢٤ يناير في الشارع المسمى باسمه منذ استشهاده (ويعرف بشارع الاربعين) . كانت جداريته الممسوحة تحمل صورته وعبارة (انتصرنا يا صديقي) في رد على اقتباس له من بروفايله في الفيسبوك "تعبنا يا صديقي . ولكن لا أحد يستطيع الاستلقاء أثناء المعركة" فصارت تلازم سيرته العطرة كلما جاء ذكره او تعب أحدنا من مشقة الطريق. فعل تشويه جداريته وابتسامته الودودة كان بمثابة حشو والملح في جرح لم يبرأ بعد. ولكن لفت نظري ما كتبه أحدهم على الصورة الممسوحة بلون أخضر شديد العزم (دم الشهيد ما راح) وهي حقيقة لأن حق الشهيد لن يُمحى بمجرد مسح جداريته بل يظل يروي ويحكي ألا أن تتحقق العدالة التي تليق بتضحياتهم.  

الصورة بعد التشويه | (دم الشهيد ما راح) دلالة على أن مسح الجدارية لا يعني أن حق عبدالعظيم قد أهدر.

يُعد توثيق قصص الناجين والشهداء جزءً اصيلاً من عملية تحقيق العدالة بمفهومها الكبير حيث يتيح للضحايا وأسرهم فرصة التعبير عن تجربتهم والاعتراف بها. وتوثيق ما حدث لا يعني الضحايا والناجين وأسرهم فقط، بل هو جزء من علاج المجتمع المكلوم للتعافي من التروما وتُشركه ككل في عملية تحقيق العدالة. هناك الكثير من الآليات غير القضائية لتحقيق العدالة وخلق التضامن والتوثيق ومنها (الرسومات، المناصب التذكارية، تسمية الشوارع بأسماء الشهداء)، والغناء، وافساح مجال للناجين وأسر الضحايا والشهداء لرواية تجاربهم من خلال اللقاءات التلفزيونية أو المحافل العامة. ولو لاحظنا اغلبها تم عمله بشكل تلقائي في السودان من قبل المجتمع بدون أي تأطير للعمل ده، ولكن مهم ان نخطو به بخطوة أبعد بتضمينه في مشاريعنا الثورية والعمل العام ورسم استراتيجية له على المدى القريب والبعيد.

 العدالة والمحاسبة او العدالة الانتقالية لا تتحقق كلية من خلال التحقيقات والأحكام القضائية لأنه من المتوقع جداً افلات الكثيرين من الحساب وتقديم اكباش فداء لمجرد امتصاص الغضب كما حدث مع شهداء سبتمبر مثلاً. تأجيل العدالة تظل حقوق الشهداء والمتضررين عالقة في الذاكرة الجمعية مرسخة لشعورٍ بالقهر والظلم لا يمكن تجاوزه، مما يعيق قدرتنا على التفكير بوضوح في المستقبل، أو تجاوز المرارات طالما ظل هذا الجرح ينزف. الآليات غير القضائية للعدالة في أغلب الأحيان تكون مكملة، وبل أهم في أحايين كثيرة من الإجراءات القضائية التي غالباً لا تحقق روح العدالة الحقيقية المشتهاة. 

الآليات غير القضائية كرواية قصص الناجين والشهداء وأسرهم بشكل مستمر ومنهجي تحقق ما هو أبعد من مجرد اجترار الأحزان، لأنها تخلق وعياً جديداً حول المواطنة والانتماء وتجسّر الهوة بيننا من خلال تجربة الفقد والحزن. الحزن هو لغة التواصل هنا، لغة تجمعنا بشكل سحري لنشعر بمدى تطابق تجاربنا وتشابكها ببعضها البعض. ومن المهم تحويل هذا الحزن من شعور محبط سلبي و طاقة تستهلكنا إلى طاقة تقربنا خطوة من العدالة من خلال الاعتراف بالتجارب العصيبة والفقد، لتوحدنا وتقربنا من بعض وتجعلنا أكثر قدرة على مواجهة ومعالجة الظرف الخلق الظلم من الأساس. من الضروري أن تكون رواية قصص الشهداء والناجين والمفقودين في قلب الفعل الثوري؛ لا من باب اجترار المآسي بل من باب فرض هذه الروايات جزء مُلح من واقعنا المُعاش للتأكيد على حق الضحايا في الحصول على إجابات بخصوص هذه الانتهاكات من المجرم (المجلس العسكري) والحكومة الانتقالية المستقبلية اياً كانت مكوناتها. وبما أنه من المتوقع ان تكون الاجراءات القانونية شكلية وطويلة المدى، فيمكننا التعامل مع هذه الآليات غير القضائية كـ الإفادات العامة كتوثيق غير رسمي للجرائم لترسخ في الوعي الجمعي بحيث لا يمكن للجناة الهروب من الجريمة في الحيز العام حتى وإن نفذوا من العقاب القانوني إلا أن ييسّر الله لنا امراً ويحاكم الجناة او يقدمون للمحاكم حقيقة ومصالحة حقيقية يعتذرون فيها عن جرائمهم. 

خصصت الأمم المتحدة يوم ٢٤ مارس من كل عام يوماً دولياً للحق في معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واحترام كرامة الضحايا. لا نحتاج أن ننتظر لشهر مارس القادم لنبدأ في انتزاع هذا الحق، وهنا بعض الأفكار الممكن تبنيها:

(١)تتبع أمر مسح جداريات اعتصام القيادة وجداريات الشهداء في الأحياء بشكل قانوني ومحاسبة من قام بمسحها.

(٢)رسم المزيد من الجداريات في جميع المدن بشكل يصعب تعقبها جميعها أو مسحها كلها، وبالطبع دعم فناني الجداريات.

(٣)تكثيف الأعمال الفنية البصرية والصوتية في الحيز الإلكتروني حيث لا يمكن مسحها متى ما انتشرت.

(٤)توثيق الأعمال الفنية بأنواعها في معارض اونلاين او مكانية في السودان والخارج.

(٥)تكثيف المنصات التي تحكي قصص الاعتداء وانتهاك الحقوق، مثلا بدل حديث ممثلي قحت والتجمع عن عملية سياسية غير واضحة الملامح من الافضل إفساح المجال لأسر الضحايا والناجين لرواية قصصهم مع الأخذ في الاعتبار أي مخاطر مترتبة على هذه المشاركة والاستعداد لها مقدماً.

(٦)الاطلاع على التجارب السابقة في مجال توثيق الانتهاكات مثل جنوب أفريقيا، المغرب، بيرو، او تونس في التاريخ القريب وخلق تصور يناسب مجتمعنا وخصوصية الانتهاكات.

 **عزاز شامي، ٢٣ يوليو ٢٠١٩