Friday, February 9, 2018

المقاومة اللاعنفية والحركات الاجتماعية في السياق السوداني الحالي (الاستراتيجيات) ٢-٣


تناولنا في التدونية السابقة بشكل سريع انوع المقاومة اللاعنفية والفريق بينها وبين صناعة السلام وفض النزاعات. فيما يلي الكلام حيكون عن استراتيجيات المقاومة اللاعنفية ونقد للحراك الحالي من ناحية بعده او قربه من الاستراتيجيات الفعالة. 

في العام ١٩٦١م صرح روبرت كندي، النائب العام للولايات المتحدة حينها، لردايو صوت امريكا بأنه لا يستبعد في المُستقبل القريب أن يترأس زنجي الولايات المُتحدة. وصدقت نبؤته بعد ٤٧ عاماً في نوفمبر ٢٠٠٨م حيث انتخب باراك اوباما كأول رئيس أمريكي من أصول افريقية. بين النبؤة وتحققها ٤٧ عاماً من العمل المُتواصل والدؤوب لكسر الحواجز والقيود التي فرضت على السود الأمريكين، وهي جهود لا تزال متواصله حتى الآن. ما علاقة روبرت كنيدي او حركة الحقوق المدنية في أمريكا بالسودان؟ الكثير يا عزيزي، الكثير. مربط الفرس هنا الفعل التراكمي وعدم القفز على المراحل لمجرد كونا مقتنعين بوجاهة مطالبنا. 


لم تبدأ الحركة المدنية في أمريكا بالمُظاهرات أو بالتجمعات الحاشدة، بل بدأت من المحاكم والمواجهات داخل اروقتها بدءً من قضية بروان ضد مجلس التعليم والتي حكمت فيها المحكمة العليا في ١٩٥٢م لصالح بروان وبعدم دستورية قانون الفصل العنصري في المدارس. وبعدها كرَت السبحة من الاستراتيجيات مُتعددة المراحل والمستويات لم تكن المُظاهرات اولها، بل تكتيكات العصيان الفردية في جميع الولايات بدون استثناء كروزا بارك في عام ١٩٥٥ عندما رفضت الجلوس في الجزء المُخصص للملونين وتبعه تنظيم مقاطعة لحافلات مدينة مونتغمري في ولاية الاباما ومن بعدها تنظيم عصيان مُصغر في جرينز بورو في كارولينا الجنوبية قام فيه اربعة من الأمركيان السود بالجلوس في مطعم مُخصص للبيض. الشاهد، أن المظاهرات الحاشدة لم تكن هي التكتيك الأول او الوحيد للحركة المدنية ولم تدخل التكتيكات ذات العدد الكبير إلا في بداية الستينات بعد حشد الاعلام والرأي العام بشكل يكفي لدعم اي مطالبات من قبل السود، وحتى وقتها بدأت بالتصاعد في العدد تدريجيا حتى وصلت القمة في مسيرة واشنطون الحاشدة في ١٩٦٣م. إلا ان هذه المسيرات لم تخرج اعتباطا او لظنها بوَاجهة مطالباها، بل تحيّنت الفرص المُناسبة والحلفاء المُناسبين في مواقع القرار، وثمار الفعل التراكمي لما سبق من تكتيكات المقاومة اللاعنفية. 

الشعب يريد اسقاط النظام ... 
ولكن كيف سيُسقط الشعب النظام؟

لو نظرنا للحراك الحالي في السودان مثلا وخصوصا التكتيكات المُتمثلة في المظاهرات والمسيرات الشعبية نجد ان جُلها تنتهي بدون احداث اثر يُذكر على صعيد تغيير القوانين او تحقيق المطالب، والمطالب هنا دائما ما تكون "اسقاط النظام". لا اختلف مع احد في المطلب ولكن اختلف في طريقة تحقيق المطلب ومفردة اسقاط - وهو امر يمكننا مناقشته في وقت آخر. 


تستمد المقاومة الحالية في السودان ادبياتها من بيت القصيدة القائل: 

إذا الشعب يوما أراد الحياة     فلابد أن يستجيب القدر

وبرغم جمال التعبير إلا أنه لا يُفسر بشكل عميق، لأن الرغبة هنا لا تعني مجرد التمني بل تعني ضمناً ان يبذل الشعب ما يلزم ليبلغ ما يريد. وقياسا على ذلك، فإن المطالبة باسقاط النظام - برغم وجاهة الاسباب - لا تكفي لاسقاط النظام فعلا. اولا نحن بحاجة إلى فهم اسباب استمرار النظام لانهاء اسباب وجوده، لأن اسقاطه فقط لا يعني انه لن يعود مجددا للحكم بمسميات أخرى. 

إن كان هدفك ازالة النظام، فالخطوات نحو الهدف تشمل الحشد، تكسير اعمدة النظام، كسب جولات في جميع الساحات ومن بينها القانون الخ .. الهدف لا يتحقق بمجرد رغبتنا في تحقيقه، لابد من خلق مجموعة من التكتيكات المحسوبة بدقة. التظاهرات العشوائية والتعبئة الشعبية بدون تخطيط تصب في مصلحة النظام لان القمع الذي يُمارسه على المُتظاهرين يرفع كلفة المُشاركة في التظاهرات. 

الحراك الحالي في السودان وما سبقه يبدأ من النهاية، ويطالب باسقاط نظام في صراع على القوة صفري مع خصم لا يتواني في استخدام القوة والعسف والقمع لاخراس اي صوت معارض. 

تبدو هذه المطالب بأنها لا تعي ديناميكة القوى في الاطار الحالي، فالنظام ليس قوياً لانه خُلق قوي، بل يستمد قوته بشكل مستمر ومُتواصل من القبول والاذعان من قبل الشعب، ويحافظ على وقوده بالعقوبة والردع والمُكافأة والضغط والترويع والابتزاز وشراء الضمائر. النظام يدرك تماما سر قوته ويعرف كيف يحافظ عليها، بينما تجهلها معارضته، او تتجاهلها. 

التعامل مع النظام ككتلة واحدة والظن أن بزوالها يزول الظلم قراءة خاطئة للأمر وللنفس البشرية بشكل عام، اي مجموعة من البشر تفرض سُلطتها على مجموعة أخرى من خلال الايحاء بأن الطاعة امر مفروغ منه، بينما في الحقيقة الطاعة هي بنزين السُلطة . وسحب دعمك لها يضعفها، بالتالي زوالها مُرتبط بزوال اسباب بقاءها واهمها التعاون والرضى منك ومني ومنهم. نحن دون ان نشعر نعطي النظام طاقته للتحكم فينا وفرض سُلطته علينا. يكفي ان نمتنع انا وانت وهو وعشرة آخرين عن طاعة النظام، ونحتاج ان نستقطب من هم داخل النظام ايضا كي يعصوه ويتفكك البيت من الداخل. 

إن الحقيقية التي يتجاهلها اغلب المعارضين ان الكثيرين ممن هم داخل النظام ليسوا بالضرورة مُستفيدين من النظام إلا بالشعور بالأمان في ظل الكره المُتزايد ضده أي (النظام) وانعدام الفرص امامهم للقفز من السفينة. فخطاب المعارضة الاقصائي لمن هم داخل النظام هو في الحقيقة يعطل ويؤخر اي محاولات لاسقاط النظام، لان اقصاءك لمن هم داخل النظام من اللحاق بركبك يجعلهم خائفين من زوال النظام - وهو هدفك - بالتالي سينصاعوا اكتر للنظام ويكثفوا من قوته لان في بقاءه امانهم وسيؤذوك نيابة عن النظام. 

ان الخطاب الاستراتيجي المفقود في دعوات المعارضة للنظام هي دعوة من هم بداخل النظام وتقليل مخاوف المأمورين وفسح المجال لهم لينضموا لصفوفك، وإن فعلت ذلك ستسلب النظام مفاصله التي يتحرك بها. فالنظام في الحقيقة هو عدد لا متناهي من المأمورين والمُنتفعين والعاملين في ارفع الرتب وادناها لا فرق في فذلك فما يجمعهم هو المُتابعة اللصيقة لك ولغيرك للتأكد من اتباعك لما يفرضه عليك النظام. كلما قللت من الاعين التي تراقبك وزدت من الايدي الي تسندك كلما زاد رصيك وقل رصيد خصمك. 

وأخيرا، أرجو تأمل الصورة ادناه جيدا .. دور الحراك الاسترتيجي هو سحب كل شخص يقف على طرف الخشبة التي تحمي النظام من السقوط للهاوية.


المُظاهرات وحدها لا تكفي 

اي قراءة سريعة لتاريخ الثورات السلمية او الحركات المطلبية السلمية سنجد ان المُظاهرات تكون آخر المراحل التي يُعبّر من خلال الحشود عن ثقلها وقدرتها على مواجهة القمع. وبمعنى آخر، تنظيم اي مظاهرة يكون فيها عدد المُشاركين اقل من عدد قوات الشغب تُعد مُخاطرة لها ردود فعل عكسية. أولا، قلة عدد المُشاركين تعني انك لم تنل التأييد الفاعل الكافي من الجمهور بغض النظر عن وجاهة المطالب، فالجماهير لا تغامر بسلامتها لمجرد ان المطالب منطقية، بل تريد ان تضمن سلامتها واحتمالات تحقق المطالب. نأتي للمطالب، لا احد يُصدق بأن مظاهرتين او عشرين تُسقط اي نظام، وهنا الخطا الاكبر الذي وقع فيه المُنظمون للتظاهرات الاخيرة، حيث انتلقت المطالب من مواجهة قررات التقشف إلى اسقاط النظام بسرعة خاطفة واعطت النظام كرتا رابحا لفرض القمع واعتقال اكبر عدد ممكن من المنظمين والفعالين والمواطنين العاديين - و اعتقال الفئة الاخيرة اثره اخطر في المُستقبل على حشد الجموع غير المُسيسية. 


لنعود لمثالنا السابق عن حركة الحقوق المدنية في امريكا، عندما سافر طلاب سود وزملائهم البيض بالحافلات لالباما كانت مطالبهم او رسالتهم مُحددة: اجبار الولايات الجنوبية على تطبيق قانون فدرالي ينهي العنصرية ضد السود في الطرق السريعة بين الولايات. وعلى الرغم من تعرضهم للضرب والقمع، إلا ان مخاطرتهم كانت محسوبة، فمارتن لوثر كينق تدخل على الرغم من تحفظه على الفكرة من البداية، ومن ثم تدخل جون كندي الرئيس وارسل قوات المارشال لحماية موكبهم. 

التظاهرات عامة هي بيان بالعمل للخصم بثقلك، استعراض للقوى او المارشات، خروجك للشارع وانت قليل العدد على أمل ان يلحق بك الآخرون يدل على ضعف التخطيط. 

لنذهب للهند وانطلاق شرارة مطالب انهاء الاستعمار والتي بدأها المهاتما غاندي بحملة فكرتها حق استخراج الملح ورفض الضريبة عليه، وكانت تذكرته التي قطع من أجلها آلاف الكيلومترات ليحشد الآخرين واثرت على الخصم بما يكفي ليطلب الجلوس معه للتفاوض. لو افترضنا ان غاندي بدأ بالمُطالبة باسقاط الاستعمار، هل كانت ستنجح حملته؟ 

المقاومة اللاعنفية والحركات المجتمعية لا يجب ان تكون استثناء او فرقعات هنا وهناك ومُظاهرات في هامش المشهد السياسي، بل يجب ان تكون فعلاً متصل ومُتشابك يتجه سمهه نحو هدف مُحدد يصل اليه عبر اهداف مرحلية تُحدد بدقة.


في الثمانينات في جنوب افريقيا قرر السكان الأفارقة مُقاطعة المحلات التجارية التي يملكها البيض، لم يكن مجرد تعبيرا عن الغضب وحسب بل كان فعلا محسوباً بدقة. ظل الأفارقة العاملين في محلات البيض يذهبون إلى عملهم في ولكنهم امتنعوا عن الشراء منهم، رتبو قبلها مع التجار الأفارقة وجمعوا ما يكفي من المؤمن لاستمرار المُقاطعة، لك ان تتخيل حجم التخطيط الذي تم لانجاح هذا الامر! حملة المُقاطعة كان لها سقف زمني محدد ومطالب محددة بخصوص التكافؤ في الفرص وحق الحصول على العمل. وبطبيعة الحال اعتقلت السُلطات المُنظمين بغرض كسر شوكة التنظيم - تصرف بديهي واي حركة من المفترض ان تكون مُستعدة له - إلا ان الجموع كانت تعرف ما هو دروها المُخطط ده واستمرت في المُقاطعة بالرغم من اعتقال القيادات. وفي نهاية الأمر تدخلت الغرفة التجارية (شخص ابيض) باقتراح الاستماع إلى مطالب الافارقة (القوة الشرائية ما عندها عرق ولا لون) وبضغط من التجار اذعنت الحكومة وافرجت عن القياديات وناقشت المطالب. لم تؤثر المُقاطعة على الوضع في الداخل فقط، بل ادت إلى تعالي الاصوات من خارج جنوب افريقيا مُنددة بالتفريق العنصري والابارتايد ومقاطعة اقتصادية على مستوى خارجي.

يهمني كمواطن ان تُساهم الحركات الشعبية في تنظيم مُشاركتي الفعلية في تحقيق المطالب وتمكنني من أن أجند آخرين بدون كلفة في الفترة الأولى. عندما تصل القواعد لمائة الف، قم بتنظيم بمظاهرة فيها الف شخص، سيعتقل البوليس ١٠٠، وستعود انت في الغد معك ١٩٠٠، سيقبضون منهم ١٠٠، ستعود في الغد معك ٢٨٠٠  وهكذا دوليك، لن ينضب معينك، والمشاركين يعرفون ادوارهم في التكتيكات. فمثلاً عندما قرر الطلبة السود في امريكا الاحتجاج على الفصل العنصري في مطاعم الجامعة، لم يشارك الجميع مرة واحدة، شارك عشرة، وعندما تم اعتقالهم وضربهم وطردهم من المطعم، آتى عشرة آخرين وجلسوا مكانهم، لا يكاد العكسري ينفض يده من مجموعة حتى تأتي مجموعة أخرى. الطرق المُستمر يكسر الخصم، ويوحي بكبر عددك وديمومتك..


خلاصة كل ما تقدم هم ان تحديد المطالب امر جوهري لتحديد الاستراتيجيات، كالفرق بين الهدف والمطالب  goal vs. objectives



يُتبع .. 

Tuesday, February 6, 2018

المقاومة اللاعنفية والحركات الاجتماعية في السياق السوداني الحالي - ١ من ٣


حتعامل في هذا المقال بجميع اجزاءه بناء على فرضية انو الحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية) في السودان تتبنى فكر المُقاومة اللاعنفية.

تعريف الحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية)
في تعريفات كتيرة للحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية) بعض علماء الاجتماع زي روبرت قولدبيرغ بيعرف الحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية) بأنها "مجموعة منظمة الناس تتصرف بوعي وبشكل مُستمر لاحداث تغيير ما او لتحسين وضع ما من خلال فعل جماعي."[1] بيل موير يُعرف الحركات الاجتماعية (او الشعبية او القاعدية) في كتابه ممارسة الديموقراطية "بأنها فعل جماعي يحفز الجموع ويُثقفها ويحشدها، على مدى سنوات او عقود احيانا، لتتحدى أصحاب السلطة والمجتمع بأسره بهدف مُعالجة القضايا الاجتماعية أو المظالم واستعادة القيم الاجتماعية المهمة."[2]

أصل فكرة المقاومة اللاعنفية في التاريخ الحديث ديني واتطورت الفسلفة دي خلال القرن الماضي وانقسمت لنوعين رئيسين:


المقاومة اللاعنفية الاخلاقية (المبدئية)
وهي ومدرسة تعتمد فلسفتها على ان يكون اللاعنف مبدأ ثابت في حياتك الخاصة والعامة وينعكس في تعاطيك مع خصومك، العالم من حولك، وشركائك في الانسانية وكيف تتعايش معهم. يعني اقرب للتصوف بمعناه الكبير ما المقتصر على الاسلام ومُهتم بتشذيب النفس من الحاق الضرر بأي شيء أو أي شخص. فمارتن لوثر كينج يرى بأن المقاومة المدنية هي "مواجهة شجاعة للشر بالمحبة."[3]  المؤمنين بالطريقة دي مقتنعين تماما بحقهم البيطالبوا بيه بس ما بيبرروا لانفسهم الحاق الضرر بالخصم مهما تعرضوا للعسف او الظلم او حتى القتل. اللاعنف في نفسو مبرر كافي، يعني اللاعنف ما وسيلة بل غاية وطريقة حياة. 

أي نعم المدرسة دي فيها نوع من المثالية والتشبه بأخلاق النبوة، إلا انها بتكسب شعبية وبتترك أثر لأنها بتخلق في النفوس صورة مُتمناه للأنا العليا وبتلاقي مؤيدين ليها حتى لو ما ما قدروا يوصلوا روحياً للمرحلة المتقدمة، غاندي مثالاً. أنا شخصيا بافتكر انو المهاتما غاندي كان برقماتي لحد ما - وده ما أمر سيء بالمُناسبة.

المقاومة اللاعنفية الاخلاقية بتقول انها ما بتوقع أذى على الخصم، بس فكرة الأذى دي نسبية وبيحددها الخصم ما انت، مثلا لما تجبرني كمُستعمر مستفيد من خيرات بلدك مجانا من اني ارضخ ليك وتخسرني قروش وسُلطة انت اذيتني، بغض النظر عن منو البدا الأذى هنا، انا اتأذيت. يعني انا افتكر استبعاد فكرة الاذى من مواجهة الخصم فيها مثالية غير واقعية، مافي خصم بيستسلم ليك كان ما لويت يدو (بالعربي اذيتو وآلمتو للحد البيخليهو يقدم تنازل يقلل من حدة الألم). والمدرسة الغاندية (نسبة لمهاتما غاندي) ليها نُقاد بيروا المدرسة دي في النظم الديموقراطية بتسقط دور القانون في ضبط الاوضاع وبالتالي بتقود للفوضى. صحة النقد ده محتاج نقاش مفصل في وقت تاني لانو محتاجين نفكك طرق الحفاظ على الديموقراطية ودور المجتمع المدني وقصور المؤسسات ووهن مفاصلها في الديموقراطيات لدرجة انها بتدخلك بحمد وتمرقك بخوجلي زي ما حاصل حاليا في أمريكا مع (بابا ترمب). الشاهد، المقاومة اللاعنفية الأخلاقية بتكون صبورة وعندها تؤدة وبتخش في صراع مع الخصم بهدف كبير بعيد المدى هو تغير الواقع المرفوض من خلال تغيير السبب الجوهري. الخلاصة انو فلسفة اللاعنف مُبتغى وهدف واسلوب حياة.

المقاومة اللاعنفية التكتيكية (او الاستراتيجية أو البرقماتية)
طيب، خلصنا من ناس اللاعنف المبدئي والاخلاقي نجي على ما يلينا من المقاومة اللاعنفية في سياق التحليل السياسي والمقاومة المدنية. المقاومة دي بتتعامل مع اللاعنف كتكتيك ما طريقة حياة، يعني استخدام اللاعنف هو خيار استراتيجي وبرقامتي. جين شارب بروفيسور العلوم الاجتماعية والاب الروحي لعلم المقاومة اللاعنفية التكتيكي (مات الاسبوع الفات بالمناسبة) بيؤيد النوع التاني البرقماتي وبيرى انو النوع الثاني اقرب للواقعية وانو المقاومة اللاعنفية في سياق سياسي الاجدى انها تكون وسيلة لا غاية في حد ذاتها. النوع ده الكنته فيه هي التفكير الاستراتيجي بمعنى انك تفكر بشكل مُستمر في كيف تحارب بدون سلاح وفي نفس الوقت تكسب نقطة في كل معركة ضد الخصم وتتأكد من انك الحقت أذى - ولا تنكروا ولا تتبرأ منو - بالخصم علشان تجبروا يستمع ليك ويحقق مطالبك. الفكرة الاساسية انو استخدامك للاعنف بيخت خصمك في خانة اليك وبيكسبك تضامن شعبي لما تتعرض للقمع وبالتالي بيوسع دائرة حلفائك وكمان بيقلل خسائرك (المقاومة اللاعنفية بشكل عام خسائرها أقل ونسب نجاحا أعلى من المقاومة المُسلحة) بس لانو محتاجة نفس طويل، لازم تكون عندك استراتيجيات لكل مرحلة.
Source: New York Times

المقاومة اللاعنفية ليست مُرادف للسلبية وتصعير الخد الآخر
هناك قول مغلوط مفاده أن المقاومة اللاعنفية، والأخلاقية تحديداً هي طريقة سلبية أو ضعيفة كونها لا تُمارس العنف ولا ترد عليه بعنف مقابل. طبعا القول ده قول عار من الصحة لأن المقاومة اللاعنفية (اخلاقية كانت أو برقماتية) في الحقيقة بتواجه الخصم وبتحول الصراع من كامن latent إلى ظاهر وبتحدد ساحة المعركة (المطالب) وما بتكون سلبية تجاه الخصم. المقاومة اللاعنفية بتجبر الخصم يعترف بالمشكلة وبيهم. ردود افعال المقاومة اللاعنفية بتكون ما حادة وبتعرف تصعد متين وكيف، وغالبا ما تستخدم قمع الخصم لمصلحتها (لكسب التعاطف، سحب الثقة من الخصم، كشف الخصم الخ) وبالتالي تعاملها مع القمع ما بس من باب رد الفعل بل من باب توظيف القمع نفسه لخدمة القضية وعلشان كدا بتكون محتاجة ضبط للنفس ورباطة جأش (جأش ايوة جأش)
Banksy's


الفرق بين اللاعنف الاخلاقي واللاعنف الاستراتيجي
النوعين من المُقاومة اللاعنفية مختلفين في فلسفتهم في التفاصيل والسلوك الفردي في الخاص والعام والاهداف بعيدة المدى (الاخلاقية بتستهدف السبب الجوهري وانهاء جميع انواع العنف - البرقماتية هدفها انهاء عنف محدد بعينة ومبتشوف البينفع شنو في المعركة المحددة دي) فكرة التسامح مثلا عند المدرسة الاخلاقية جزء اصيل من الصراع ووسيلة لاستمالة الخصم وتغيير السبب الجوهري بينما النوع البرقماتي بيتعامل مع التسامح والتصالح كتكتيك لكسب المعركة (ما معناها بيغشوا الخصم بس ما بيسامحوا لانهم طيبين ويلا الناس تحب) النقطة الاساسية البتجمعهم هي انو التعامل مع القمع يكون سلمي، ليه بقى دي كلام كتير زي ما وضحنا فوق .(الجدول ده بيبين الفروق بين النوعين بالتفصيل على مستوى الاهداف والوسائل والشخصي والعام.)

المقاومة للاعنفية وفض النزاعات وصناعة السلام: تكامل ما تشابه
النقطة الأخيرة والمهمة جدا انو في فرق كبير بين المقاومة اللاعنفية وصناعة السلام او فض النزاعات، المدارس دي مختلفة تماما من ناحية التعاطي مع الصراع. المقاومة اللاعنفية بتخلق صراع لاعنفي وفض النزعات بيجي داخل الصراع الكامن او المنفجر بمبدأ باركوها يا جماعة. اللاعنف بيجي من تحت لفوق بمعنى انو مُلتحم بالجماهير اكتر وبيمثلهم اكتر وفض النزاعات بيجي من فوق لتحت يعني عبر القوانين والاجراءات واذرع الدولة. الاتنين (المقاومة اللاعنفية) و(فض النزاعات و\أوصناعة السلام) بيتقاطعوا وممكن يكلموا بعض بس ما كلهم واحد سيم سيم صديق لا في الاساليب ولا الجمهور ولا الجهات الفاعلة ولا مدى التغيير.

اسئلة وجودية
هل كل مقاومة لا عنفية هي بالضرورة مبنية على الاخلاق؟ ولا اي مقاومة عنفية بالضرورة فيها جزء تكتيكي؟ وايهما افضل لسلام مُستدام؟ لاعنف تكتيكي ام لاعنف مبدئي؟

يُتبع

هوامش

[1] Robert Alan Goldberg, Grassroots Resistance: Social Movements in Twentieth CenturyAmerica. (Belmont CA: Wadsworth, 1991), p. 4.
[2] Moyer, Bill. Doing Democracy: The MAP Model for Organizing Social Movements. (Gabriola Island, B.C.: New Society Publishers, 2001), p. 1).
[3] King, Martin Luther, Jr., Stride Toward Freedom; the Montgomery Story. (New York: Harper & Row, 1958. Print.), p. 80.